تفسير معجزة انشقاق القمر |
معجزة انشقاق القمر
مقدمة:
المعجزة شيء خارق للعادة وفوق قدرة البشر، ولا تحدث إلاّ لنبي من الأنبياء، ومن معجزات النبوة حادثة شق القمر نصفين، ليثبت الله تعالى للكفار أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من عنده، وهو ما أثبته العلم الحديث.
ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، اختلف في تحديد عددها العلماء فمنها: الإسراء والمعراج، ومنها: نبع الماء من بين أصابعه، ومنها: تكثير الماء القليل ببركته، ومنها: جعْل قليل الطعام كثيراً حتى وفَّى بالقوم وزاد، ومنها تسبيح الماء بين يديه، ومنها حنين الجذع، ومنها انقياد الشجر له، ومنها سرعة إجابة دعوته.
وإذا كانت هذه المعجزات قد طال حولها الحديث، وتفاوتت درجات ثبوتها، فإن جمهور العلماء على أن أعظم معجزة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي القرآن الكريم، الذي قال فيه رب العزة -سبحانه- ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [الإسراء: 88].
أدلة انشقاق القمر:
قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرّ﴾ [القمر: 1-3].
وفي الصحيح عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُريهم آية، فأراهم القمر شِقَّيْن حتى رأوْا غار حراء بينهما(1).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا»(2).
وعن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سحر القمر. فنزل قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ سِحْرٌ مُّسْتَمِرّ﴾ [القمر: 1 ـ2](3).
ولقد كان مسعود يردِّد قوله: لقد انشق القمر.
أقوال بعض المفسرين:
قال ابن جرير: يعني تعالى ذكره بقوله ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾: دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة وقوله: ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ افتعلت من القرب وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنو القيامة وقرب فناء الدنيا وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم وهم عنها في غفلة ساهون، وقوله: ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾.
يقول جل ثناؤه: وانفلق القمر وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة إلى المدينة(4).
وقال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾: قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة.
وقد ثبت في الصحيح عن مسروق قال: قال عبد الله: "خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام"(5).
وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات(6).
قال القاضي رحمه الله: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق الله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره(7).
يقول الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله: من الأمور المتفق عليها بين العلماء أن انشقاق القمر وقع في عهد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات، وبعضهم يَروي أن القمر قد انشق مرتين لا مرة واحدة، وقد تحدثَت عن ذلك كتب السنة النبوية الصحيحة(8).
ولقد كان كفار قريش يظنون أن كل معجزة من النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يصنعها ويأتي بها، وليس الله هو الذي يأتي بها، فأرادوا أن يتحدوه فطلبوا منه آية سماوية.
واتفقوا على انشقاق القمر، وتواعدوا معه على ليلة فلما جاء الميعاد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: انظروا، فنظروا جميعاً فرأَوْا أن القمر انشق شقتين، نزلَتْ كلُّ واحدة وحدها، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا». فقالوا: لقد سحر الأرض والسماء، إن هذا سحر مستمر.
زغلول والقمر:
وفي مقابلة تلفزيونية مع عالم الجيولوجيا المسلم الأستاذ الدكتور/ زغلول النجار، سأله مقدم البرنامج عن هذه الآية: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1] هل فيها إعجاز قرآني علمي؟.
فأجاب الدكتور زغلول قائلاً: هذه الآية لها معي قصة. فمنذ فترة كنت أحاضر في جامعة (كارديف) في غرب بريطانيا، وكان الحضور خليطاً من المسلمين وغير المسلمين، وكان هناك حوار حي للغاية عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي أثناء هذا الحوار، وقف شاب من المسلمين وقال: يا سيدي هل ترى في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في القران الكريم؟.
فأجابه الدكتور زغلول قائلاً: لا؛ لأن الإعجاز العلمي يفسره العلم، أما المعجزات فلا يستطيع العلم أن يفسرها، فالمعجزة أمر خارق للعادة فلا تستطيع السنن أن تفسرها، وانشقاق القمر معجزة حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد له بالنبوة والرسالة، والمعجزات الحسية شهادة صدق على من رآها، ولولا ورودها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما كان علينا نحن مسلمي هذا العصر أن نؤمن بها ولكننا نؤمن بها لورودها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن الله تعالى قادر على كل شيء(9).
معجزة نبوية:
وفي كتب السنة يُروَى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بخمس سنوات جاءه نفر من قريش وقالوا له: يا محمد إن كنت حقاً نبياً ورسولاً فأتنا بمعجزة تشهد لك بالنبوة الرسالة، فسألهم: ماذا تريدون؟، قالوا: شق لنا القمر، على سبيل التعجيز والتحدي، فوقف المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن ينصره في هذا الموقف فألهمه ربه تبارك وتعالى أن يشير بإصبعه الشريف إلى القمر، فانشق القمر إلى فلقتين، تباعدتا عن بعضهما البعض لعدة ساعات متصلة، ثم التحمتا، فقال الكفار: سحرنا محمد، لكن بعض العقلاء قالوا إن السحر قد يؤثر على الذين حضروه، لكنه لا يستطيع أن يؤثر على كل الناس، فانتظروا الركبان القادمين من السفر، فسارع الكفار إلى مخارج مكة ينتظرون القادمين من السفر.
فحين قدم أول ركب سألهم الكفار: هل رأيتم شيئاً غريباً حدث لهذا القمر؟، قالوا: نعم، في الليلة الفلانية رأينا القمر قد انشق إلى فلقتين تباعدتا عن بعضهما البعض ثم التحمتا. فآمن منهم من آمن وكفر من كفر. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرّ﴾ [القمر: 1- 3]... إلى آخر الآيات التي نزلت في ذلك...(10).
يقول الدكتور زغلول: وبعد أن أتممت حديثي وقف شاب مسلم بريطاني عرف بنفسه وقال: أنا داود موسى بيتكوك رئيس الحزب الإسلامي البريطاني، ثم قال: يا سيدي، هل تسمح لي بإضافة؟ قلت له: تفضل قال: وأنا أبحث عن الأديان- قبل أن يسلم-، أهداني أحد الطلاب المسلمين ترجمة لمعاني القرآن الكريم، فشكرته عليها وأخذتها إلى البيت، وحين فتحت هذه الترجمة، كانت أول سورة أطلع عليها سورة القمر، وقرأت: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر﴾ [القمر: 1]، فقلت: هل يعقل هذا الكلام؟، هل يمكن للقمر أن ينشق ثم يلتحم، وأي قوة تستطيع عمل ذلك؟ يقول الرجل: فصدتني هذه الآية عن مواصلة القراءة، وانشغلت بأمور الحياة، لكن الله تعالى يعلم مدى إخلاصي في البحث عن الحقيقة، فأجلسني ربي أمام التلفاز البريطاني وكان هناك حوار يدور بين معلق بريطاني وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين.
وكان هذا المذيع يعاتب هؤلاء العلماء على الإنفاق الشديد على رحلات الفضاء، في الوقت الذي تمتلئ فيه الأرض بمشكلات الجوع والفقر والمرض والتخلف، وكان يقول: لو أن هذا المال أنفق على عمران الأرض لكان أجدى وأنفع وجلس هؤلاء العلماء الثلاثة يدافعون عن وجهة نظرهم ويقولون: إن هذه التقنية تطبق في نواحي كثيرة في الحياة، حيث إنها تطبق في الطب والصناعة والزراعة، فهذا المال ليس مالاً مهدراً لكنه أعاننا على تطوير تقنيات متقدمة للغاية..........
في خلال هذا الحوار جاء ذكر رحلة إنزال رجل على سطح القمر باعتبار أنها أكثر رحلات الفضاء كلفة فقد تكلفت أكثر من مائة ألف مليون دولار، فصرخ فيهم المذيع البريطاني وقال: أي سَفَهٍ هذا؟ مائة ألف مليون دولار لكي تضعوا العلم الأمريكي على سطح القمر؟، فقالوا: لا، لم يكن الهدف وضع العلم الأمريكي فوق سطح القمر كنا ندرس التركيب الداخلي للقمر، فوجدنا حقيقة لو أنفقنا أضعاف هذا المال لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد.
فقال لهم: ما هذه الحقيقة؟ قالوا: هذا القمر انشق في يوم من الأيام ثم التحم. قال لهم: كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: وجدنا حزاماً من الصخور المتحولة يقطع القمر من سطحه إلى جوفه إلى سطحه، فاستشرنا علماء الأرض وعلماء الجيولوجيا، فقالوا: لا يمكن أن يكون هذا قد حدث إلا إذا كان هذا القمر قد انشق ثم التحم. يقول الرجل المسلم (رئيس الحزب الإسلامي البريطاني): فقفزت من الكرسي الذي أجلس عليه وقلت: معجزة تحدث لمحمد (صلى الله عليه وسلم) قبل ألف وأربعمائة سنة، يسخر الله تعالى الأمريكان لإنفاق أكثر من مائة ألف مليون دولار لإثباتها للمسلمين؟؟؟، لابد أن يكون هذا الدين حقاً. يقول: فعدت إلى المصحف، وتلوت سورة القمر، وكانت مدخلي لقبول الإسلام ديناً(11).
معترضون:
وهنا بعض الأراجيف حول هذا الموضوع أبينها كما أوردها أصحابها في حديث البخاري أن أهل مكة سألوا محمداً آية فانشق القمر بمكة مرتين! إنما حرف الآية يقول: " أتت الساعة و انشق القمر". فانشقاق القمر مرتبط بقدوم الساعة، و أن " الساعة " في لغة الكتاب، و في لغة القرآن، كناية عن يوم الدين، و انشقاق القمر من أشراط الساعة؟ فليس هو حادث يجري في حياة الرسول، هذا بنص القرآن القاطع.
قال القرطبي في تفسيره: " قال قوم: لم يقع انشقاق القمر بعد. وهو منتظر. أي اقتراب قيام الساعة وانشقاق القمر.
وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره. وكذا قال القشيرى.
وذكر الماوردي: أن هذا قول الجمهور. وقال: لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه، لأنه آية و الناس في الآيات سواء.
وقال الحسن: اقتربت الساعة، فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية … وقيل: "﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾" أي وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضح(12). وقيل: انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها، كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه".
ففي نظر المفسرين المذكورين تعبير "انشق القمر" إما حقيقي، وهو من أشراط الساعة في اليوم الآخر، وإما مجازي فليس فيه من حادث طبيعي.
وقال محمد عبد الله السمان: "ولو سلمنا جدلاً بأن الانشقاق قد حدث، فهل من العقل و المنطق بألا ترى الدنيا بأسرها هذا الانشقاق! لأن القمر للدنيا كلها و ليس لمكة وحدها، إن هذا حدث ضخم، وليس بالأمر الهين اليسير(13).
ردود:
أما قول القائل: إن الساعة في لغة القرآن كناية عن يوم الدين وانشقاق القمر من أشراط الساعة فليس هو حادث يجري في حياة الرسول! فصحيح تماماً أن لفظ الساعة يدل على يوم القيامة ولكن الذي يجب أن يقال أن للساعة علامات صغرى وكبرى أخبرنا بها محمد صلى الله عليه وسلم،خاصة وأن هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تنص على أن مبعث محمد صلى الله عليه وسلم يكون هو نفسه علامة على دنو الساعة.
كما في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام: «بعثت أنا والساعة كهاتين»(14).
وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبحكم ومساكم».
ويقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، ويقرن بين أصبعيها لسبابة والوسطى.
ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» ثم يقول: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ»(15).
منع انشقاق القمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح هذا فضلاً عن أن ربط الانشقاق بالساعة أمر غير متحتم لا من جهة النصوص الشرعية ولا من جهة العقل.
وأما قولهم: لو سلمنا جدلاً بأن الانشقاق قد حدث، فهل من العقل والمنطق بألا ترى الدنيا بأسرها هذا الانشقاق! لأن القمر للدنيا كلها و ليس لمكة وحدها، إن هذا حدث ضخم، وليس بالأمر الهين اليسير.
قلت: وفي هذا نظر أي أن حادثة انشقاق القمر يجب أن يراها كل الناس لأن العلم اليوم أثبت بما لا يبقي لأحد أي شك في أن الأرض كروية وأن القمر يدور حول الأرض كما أن الأرض تدور كذلك حول نفسها وحول الشمس ولا أريد أن أسرد الأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث على ثبوت ذلك ووروده في النصوص الشرعية عند المسلمين حتى لا يطول بنا المقام ونخرج عن المراد، فإذا ثبت هذا كان لزاماً أن لا يرى كل الناس تلك الحادثة فإن الناس في الجهة المقابلة للقمر هم الذين سيرون تلك الحادثة دون غيرهم قطعاً ودون أي شك هذا بالإضافة إلى أنه ليس كل الناس كانوا متأهبين وحاضرين في تلك الساعة فمنهم من هو نائم خاصة إذا علمنا أن الحادثة كانت في الليل وليس في النهار ولعدم وجود ما يجرهم للسهر من كهرباء وغيرها كانوا ينامون مبكرين وهذا ما نعهده عند أهل القرى والأرياف اليوم، فضلاً عن عدم وجود وسائل الإعلام كالتي نراها اليوم والتي نستطيع من خلالها إذاعة الخبر في كل الأرض فالأمر كان مقصوراً على بضعة من الجاحدين أرادوا تعجيز الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم لا يمنع من عدم رؤية جميع الناس لهذا الحدث أن الانشقاق لم يقع، فكم من الأمور التي يتلقاها الناس بالقبول مع أنهم لم يرونها؛ ويكتفون بخبر من رآها دليلاً على تصديقها.
ومع هذا كله فقد دونت بعض المصادر التاريخية حادثة انشقاق القمر، كما سنبينه في طيات هذا البحث.
ونقول: لقد وقع انشقاق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان هناك فريقان متصارعان متنافسان متباغضان يكيد كل منهما للآخر، ولما وقعت حادثة انشقاق القمر كانت قريش تحرص على أن تجد شيئاً بسيطاً تكذب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن وقعت الحادثة نـزل القرآن يقرأ عليهم ما حدث ويسجل مواقفهم من الحادثة قال تعالى: ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر.وإن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر﴾ [القمر: 1، 2].
فلو أن القرآن سجل شيئاً لم يقع (أي لو أن القمر لم ينشق) لكانت الفرصة لكفار قريش ليقولوا: محمد يزعم أن القمر قد انشق وأننا رأيناه وأننا قد قلنا هذا سحر وما وقع من ذلك شيء، أما المسلمون فكان منهم من سيرتد عن الإسلام إذ كيف يكذب عليهم ويقول وقع انشقاق ولم يقع؟.
ولكن ما الذي حدث؟ الذي حدث أنه ثبت المسلمون على إسلامهم واستمروا على إيمانهم وازدادوا إيماناً، وتحول الكفار من الكفر إلى الإسلام وأصبحوا بعد ذلك من جيش الإسلام....ولعل في هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
التوثيق التاريخي لانشقاق القمر(16):
سجل تاريخ الهند اسم ملك من ملوكهم هو: (جاكرواني فرماس) وأنه شاهد حادثة انشقاق القمر، فسجلت إحدى المخطوطات التاريخية الهندية ما يلي:
"شاهد ملك ماجبار "مالابار" بالهند (جاكرواني فرماس) انشقاق القمر؛ الذي وقع لمحمد، وعلم عند استفساره عن انشقاق القمر بان هناك نبوة عن مجيء رسول من جزيرة العرب، وحينها عين ابنه خليفة له، وانطلق لملاقاته.
وقد أعتنق الإسلام على يد النبي، وعندما عاد إلى وطنه - بناءً على توجيهات النبي - وتوفي في ميناء ظفار"(17)، وهذه المعلومات في مخطوطة هندية محفوظة في مكتبة دائرة الهند تحتوي على عدة تفصيلات أخرى عن (جاكرواني فرماس).
وقد جاء في كتب الحديث ذكر الملك الهندي؛ الذي وصل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم فِفي مستدرك الحاكم: "عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ثم أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - جرة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمني منها قطعة. قال الحاكم: ولم أحفظ في أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم - الزنجبيل سواه"(18).
ومن المعلوم أن هذا الملك قد صار صحابياً؛ بملاقته الرسول صلى الله عليه وسلم وإيمانه به وموته على ذلك. وقد حفظت المراجع الإسلامية قصة هذا الصحابي الذي قدم من الهند، فذكره الإمام ابن حجر العسقلاني في الإصابة وفي لسان الميزان وقال: إن أسمه (سَرْبَانَك) وهذا هو الإسم الذي عرف به عند العرب(19).
خاتمة:
يجب أن تكون آخر الرسالات السماوية تحمل في طياتها ما به يؤمن عليه البشر في جميع العصور والأزمنة على مختلف علومهم وثقافاتهم، ولأن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأديان فقد اختص بهذه الصفة من بين جميع الأديان، فكما نعلم أن موسى عليه السلام قد أيده الله بالعصا وغيرها من المعجزات التي شاهدها قومه في عصره فقط، وكذلك عيسى عليه السلام فقد أيده الله بمعجزة إحياء الموتى وغيرها من المعجزات، وهذه المعجزات -معجزات موسى و عيسى- وجميع معجزات الأنبياء السابقين لم تعد موجودة ولا يمكن مشاهدتها اليوم، كناقة صالح مثلاً. أما النبي الخاتم فله معجزة خالدة إلى يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»(20).
فمعجزة خاتم الأنبياء والمرسلين لم ترتبط بحياته صلى الله عليه وسلم وإنما جاءت منفصلة قائمة بذاتها لا تزول بوفاته صلى الله عليه وسلم، وتلك هي معجزة القرآن الذي أوحاه الله تعالى إليه بما فيه من إخبارات كشف العلم عنها في الوقت الحاضر قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾ [فصلت: 53].
وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 93]، وها هو ذا عصرنا بعلومه يصدق ما جاء في الآيتين السابقتين وغيرهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق