السور المكية والمدنية
القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى، ومعجزةُ الرّسول محمد عليه الصّلاة والسّلام، والقرآنُ في ترتيبه مُقسّمٌ إلى سور يبلغ عددها مئةً وأربع عشرة سورةً، وفي السّور آياتٌ عديدة تُعدّ بمثابة وحدة بناءٍ للسّورة الواحدة، وتُقسَّمُ هذه السّور إلى نوعين بحسب نزولها والموضوعات التي تناولتها، وهي سور مكيّة وسور مدنيّة، وكل نوعٍ من هذين النّوعين له خصائصه وميزاته ما يجعله مُختلفاً عن الآخر.
لمعرفة الفرق بين السّور المكيّة والسّور المدنيّة دورٌ مُهمّ في معرفة النّاسخ من المنسوخ، ومعرفة تاريخ التّشريع الإسلاميّ، ومراحله، وكيفيّة الوصول إلى الفهم الصّحيح لآيات القرآن وسوره، ومن فوائده أيضاً بيان عظيم عناية المُسلمين بالقرآن الكريم، حيث إنّهم لم يكتفوا بحفظ نصوصه فقط، بل حفظوا ونقلوا الزّمن الذي نزلت فيه تلك النّصوص ليكون ذلك شاهداً على الثّقة المُطلقة التي يمنحها المُؤمنون لهذا الكتاب العظيم. معنى السّور المكيّة والسّور المدنيّة للعلماء في معنى السّور المكيّة والسّور المدنيّة ثلاث اصطلاحات هي:
الأول: السّور المكيّة هي السّور التي نزلت بمكّة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل قبل الهجرة وإن نزل بغير مكّة، والسّور المدنيّة هي السّور التي نزلت بالمدينة، ويُعدّ منها كل ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بغير المدينة.
[١] الثّاني: السّور المكيّة هي السّور التي نزلت بمكّة، والسّور المدنيّة هي السّور التي نزلت بالمدينة.
[٢] الثّالث: السّور المكيّة هي ما وقع خطاباً لأهل مكة. والسّور المدنيّة هي ما وقع خطاباً لأهل المدينة.
[٣] ويرجع سبب توجّه العلماء إلى هذه الاصطلاحات في معنى السّور المكيّة والسّور المدنيّة إلى اختلافهم في المُعتَبر في النّزول؛ فمنهم من اعتبر مكان النّزول فعّرفها بالمصطلح الثاّني، ومنهم من اعتبر زمن النّزول فعّرفها بالمُصطلح الأول، ومنهم من اعتبر المُخاطَبين بالآية وهؤلاء ذهبوا الى المُصطلح الثّالث. طرق معرفة المكيّ من المدنيّ لم يَرِد عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام بيانٌ للسّور المكيّة من السّورالمدنيّة؛ لأنّ الصّحابة رضوان الله عليهم كانوا يعلمون السّور المكيّة والسّور المدنيّة، فقد كانوا شاهدين وحاضرين لنزول السّور، فلم يكن هناك حاجة لوجود نصٍّ من النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُبيّن ذلك، بل لم يُؤمَر النبيّ عليه الصّلاة والسّلام ببيانها.
أمّا في القرون التي تلت قرون الصّحابة والتّابعين فقد احتاج العلماء لبيان المَكيّ من المدنيّ في سور القرآن الكريم لدخول الأعاجم في الإسلام وابتعادهم عن عصر النّبوة، وقد اتَّبع العلماء طريقين في معرفتهما هما:
[٤] النقليّ السماعيّ: معرفة السّور المكيّة والسّور المدنيّة عن طريق الرّواية عن أحد الصّحابة رضوان الله عليهم الذين شاهدوا التّنزيل وحضروا فترة الوحي، أو عن طريق أحد التّابعين الذين سمعوا من الصّحابة.
ومن الأمثلة على هذا الطّريق: ما رواه مسلم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس:
(أَلِمَن قتل مؤمناً مُتعمّداً من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)[٥] إلى آخر الآية.
قال: هذه آية مكيّة نسختها آية مدنيّة: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ)).
[٦] )[٧] حديث عائشة رضي الله عنها: (لقد نزل بمكّة على محمد -صلى الله عليه وسلم- وإني لجارية ألعب: (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)
[٨] وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده).
[٩] القياسي الاجتهادي: اعتمد العلماء في هذا الطّريق على الطّريق الأول؛ حيث نظروا في النّصوص القرآنيّة، واستنبطوا خصائص وضوابط للسّور المكيّة والسّور المدنيّة وأنزلوها على السّور التي لم يُذكر أنّها مكيّة أو مدنيّة، فما وافقت شروط السّور المكيّة اعتُبِرت مكيّةً، وما وافقت شروط السّور المدنيّة اعتُبِرَت مدنيّةً.
الفرق بين السّور المكيّة والسّور المدنيّة ميزات السّور المكيّة تتميّز السّور المكيّة بعدّة خصائص عن السّور المدنيّة، منها:
[١٠] كل سورة من سور القرآن الكريم فيها لفظ (كلا) فهي سورة مكيّة، ولم يرد لفظ (كلا) إلا في النّصف الأخير من القرآن الكريم.
كل سورة فيها قول الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وليس فيها قول الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهي سورة مكيّة، باستثناء سورة الحج؛ فقد جاء في أواخرها قول الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) مع توجّه كثير من العلماء إلى اعتبارها سورة مكيّة. كل سورة ورد فيها قصص الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام والأمم السّابقة فهي سورة مكيّة، باستثناء سورة البقرة.
كل سورة فيها قصة نبي الله آدم عليه السّلام وإبليس فهي سورة مكيّة، باستثناء سورة البقرة.
كل سورة تُفتَتَح بالحروف المُقطّعة مثل: (الم) و (الر) وغيرها من الحروف فهي سورة مكيّة، باستثناء سورتي البقرة وآل عمران. تتميّز السّور المكيّة أيضاً بذكر الدّعوة إلى توحيد الله عزَّ وجلّ وعدم الشّرك به، فهو الوحيد المُستحقّ للعبادة، وإثبات وجود البعث والحساب والجزاء، وذكر يوم القيامة، وذكر النار وعذابها، وذكر الجنة ونعيمها.
[١١] كما تتميز أيضاً بأنَّ عباراتها مختصرة وواضحة وكلماتها معبّرة وقوية. ميزات السّور المدنيّة تتميّز السّور المدنيّة بعدد من الميزات:
[١١] تناولت السّور المدنيّة موضوع العبادات والمعاملات، والحدود في الإسلام، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصِّلات الاجتماعيّة، والعلاقات الدوليّة في حالتَي السِّلم والحرب، وقواعد الحُكم، ومسائل التّشريع وغيرها.
التوجّه لمُخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، ودعوتهم إلى الإسلام باستمرار، وبيان تحريفهم لكتب الله.
تتحدّث بكثرة عن المُنافقين وتكشف عن سلوكهم، وتُحلّل نفسيّاتهم، وتُزيح السّتار عن خباياهم، وتُبيّن خطرهم على الدّين. تتميّز آيات السّور المدنيّة بطولها، وطول المقاطع في أسلوب يُقرّر الشّريعة ويُوضّح أهدافها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق