المتنبى وحياتة و شعره وسبب تسميتة بهذا الاسم - الموسوعة العربية للمعرفة

مقالات تشمل كافة مجالات الحياة لنشر الوعي و المعرفة

اخر الأخبار

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

المتنبى وحياتة و شعره وسبب تسميتة بهذا الاسم


 
                             أبو الطيب المتنبي


                             أبو الطيب المتنبي


هو أحد أكثر شعراء العرب شهرة إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق،  وهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهمية تجاوزت زمانهم ومكانهم، فلم يكن المتنبّي مجردَ شاعرٍ يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء، بل كانَ ذا شخصيةٍ مميزة، يعتز بنفسه ويفخر بها في قصائده ومجالسه. وقد كتب المتنبي شعر الهجاء والمديح والرثاء في السلاطينِ وغيرهم من الشخصيات المهمّة في زمنه.
وقد كانَ للمتنبي أثر كبير في الشعرِ العربيّ  امتدّ من زمنه إلى يومنا هذا، فلم يكفّ الشعراء عن قراءته، ولم يتوقّف الدّارسون للأدب العربيّ عن شرحه وتحليله ودراسته.
                                   نسب أبي الطيب المتنبي
هو الشاعر العربيّ أحمد بن الحسين بن مرّة بن عبد الجبّار الجعفيّ الكنديّ الكوفيّ، والده جعفيّ وأمه همدانيّة، ولد في كندة إحدى مناطق الكوفة في العراق سنة ثلاث وثلاثمئ  من الهجرة.
نشأ المتنبي محباً للعلم والأدب وكان ذلك واضحاً من ملازمته للعلماء في مجالسهم، فكانَ غلاماً يتميز بالذكاء وقوّة الحفظ.

[١] وقد نظم أول قصائده وهو في العاشرة من عمره مثأثراً بقصائد الشعراء القدماء وبشعر المعاصرين له، كما كان متأثراً بالشيعة وأخبار القرامطة.
[٢] سبب تسميته بالمتنبي كانَ أبو الطيب المتنبي شاعراً يفتخر بنفسه أيّما افتخار، حتى نعته الكثيرون بالغرور، وكان يهدف أن يعرفه الناس في كل مكان، فادّعى النبوة في صحراء الشام حتى تبعه بعض من الناس. ولما سمع بذلك سلطان دولة حمص قاتله واعتقله، وبقي المتنبي معتقلاً إلى أن تاب وأُطلق سراحه، ومن هنا أطلق عليه لقب المتنبي.
[٣] حياة أبي الطيب المتنبي نشأ الشاعر أبو الطيب في مدينة الكوفة وتعلم في أكثر مدارسها تميّزاً، وهي مدرسة تتبع النظام الشيعيّ. ثم انتقل إلى البادية العربية في سوريا (صحراء السماوة) مع أبيه ليقضي هناك سنتين من عمره كان لهما الأثر الكبير على فصاحته ولغته العربية القوية، التي ظهرت واضحة في أشعاره لاحقاً.
[٤] ثم ارتحل عائداً إلى العراق، لكنّه لم يلبث هناك كثيراً لأنّ المدينة لم تكن آمنة له، ذلك أنّه كان متعاطفاً مع القرامطة الذين كانوا يغيرون على بغداد في تلك الفترة، فلم تكن المدينة مستقرّة حينها.
[٥] في بداية حياته العملية اتخذ المتنبي من مدح الشخصيات الثرية والمهمة في البادية الشاميّة وبغداد وظيفة يمارسها، وقد تميزت أشعاره في هذه الفترة بطابع موسيقي للأبيات الشعرية، وبكثرة استخدام التعابير المتناقضة، والتركيز على التعابير الموجزة.[٤] المتنبي وسيف الدولة الحمداني كان سيف الدولة الحمداني أميراً وشاعراً وأديباً، أحبّ أن يحيط نفسه بأبرع الشعراء والأدباء في تلك الفترة، وبقي أبو الطيب المتنبي حينئذٍ بجانب أبي العشائر في أنطاكية ويتمنى القرب من سيف الدولة، فقدمه أبو العشائر لسيف الدولة الذي طلب من المتنبي أن يكون شاعراً في رحاب سلطته، فوافق المتنبي على ذلك مشترطاً الحفاظ على فخره بنفسه، فطلب من سيف الدولة ألا يكون كباقي الشعراء يقبلون الأرض بين يديه، وألا يلقي الشعر واقفاً مثلهم، ووافق سيف الدولة على ذلك. وكانت العلاقة بين سيف الدولة والمتنبي علاقةً قوية، فكانا أشبه ما يكونان بصديقين، وكان سيف الدولة سخيّاً كريماً مع المتنبي.
 ومن أكثر القصائد تميّزاً تلكَ القصيدة العصماء التي كتبها المتنبي بعد انتصار سيف الدولة على الروم في معركة ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمئة من الهجرة.
وقد بدأت العلاقة بين سيف الدولة والمتنبي تضطرب بسبب الحسّاد الذين كانوا يحاولون الإفساد بينهما، فعاتبَ المتنبي سيف الدولة لاستماعه لتلكَ المكائد، وكتب يعاتبه ببعض الأبيات، فردّ عليه سيف الدولة بأبيات توحي بعدم رضاه، واستمرت المعاتبة الشعرية بينهما حتى قذفه سيف الدولة بمحبرة في وجهه في أحد المجالس.
[٦] أبو الطيب المتنبي وكافور انتقل أبو الطيب المتنبي إلى مصر، وكان كافور أحد سلاطينها؛ يقال إنّه كانَ عبداً لكنه بذكائه وفطنته وشجاعته استطاع أن يصبح أحد السلاطين. أغدقَ كافور على المتنبي الدراهم وأهتمّ فيه أشد الاهتمام، فكتب فيه المتنبي بعض قصائد المديح.
 ولم يرَ المتنبي الكثير من الخير من السلطان كافور، وقد كان يعيش في ضيق منه بعدما ضيّق عليه في مصر، فهجاه بأقبح الهجاء.
وبعد أن أحس المتنبي بالغربة في مصرَ، قرر الرحيل عنها سنة ثلاثمئة وخمسين للهجرة قاصداً مدينة الكوفة في العراق.
[٧] مقتل أبي الطيب المتنبي اختلفت الروايات المذكورة في مقتل المتنبي، إلّا أنّ المؤرخين اجتمعوا على قصة واحدة، وهي أن المتنبي كان قد كتب قصيدة يهجو فيها ابن أخت فاتك الأسدي وهو ضبة بن يزيد العتبي، والذي كان غدّاراً وبذيء اللسان، ويؤذي الناسَ بكلامه، فلجأ الناس إلى أبي الطيب المتنبي ليكتب فيه قصيدة هجاء، فهجاه المتنبي وكتبَ فيه قصيدة كانت تحتوي أقبحَ كلمات الهجاء.
وعند خروجه قاصداً بغداد لقيه صديق له وأخبره بنية فاتك الأسدي بأن يؤذيه، وأنّ عليه أن يصطحب معه من يحميه، لكنّ المتنبي رفض ذلك ولم يكن معه سوى غلمانه، فلقيهم فاتك وأصحابه وأرادوا قتاله، فهمّ المتنبي بالهروب، لكنّ أحد غلمانه قال له: أولست من قال: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم. فهزمت المتنبي كلماته وذهب للقتال على مضض، وقتل في تلكَ الموقعة على طريق بغداد قريباً من دير العاقول هو وغلمانه.
[٨] عوامل أثرت في شعر المتنبي تأثر شعر المتنبي بالعديد من العوامل منها:
[٩] الروافد الثقافية: ظهر المتنبي في عهد الخلافة العباسية، حيث كانت الدولة تعاني الكثير من الضعف والهوان، فكان المتنبي يرثي الدولة ويحاول إيقاظها بأشعاره، وكان هناك السلاطين والأمراء الذي انكب المتنبي على مديح بعضهم كسيف الدولة الحمداني. الإحاطة باللغة والأدب:

 فقد كان المتنبي يحبّ التعلم ويسعى للحصول عليه، وقد اكتسب القوة في اللغة والبلاغة من الفترة التي قضاها في البادية.
 المجالس الأدبيّة: كان الكثير من السلاطين في تلك الفترة يهمتون بالشعر والأدب وينظمون مجالسَ أدبيّة يحلم كل شاعر أن يكون جزءاً منها، لكنّ الوصول إليها لم يكن سهلاً، ولأنّ المتنبي كان على علاقة حسنة مع السلاطين، فقد كان يشارك هذه المجالسَ عند إقامتها. 

                                      موت المتنبّي

سَمَع المُتنبّي بسيف الدّولة الحمداني وأفضاله، وقد كان يقرُبُه في السِّن؛ فجاءه وطلبَ منه أنْ يمدحه بشعره، فأجاز له سيف الدّولة الحمداني ذلك، وأكرمه على قصائده وقرّبه منه، وسادت بينهما المودة والاحترام، إلّا المتنبّي قد اشتُهر بإفراده جزءاً كبيراً من قصائده لنفسه؛ حيثُ يُقدّم مدح نفسه على ممدوحه، ممّا أحدث جفاءً بينه وبين عضد الدّولة والذي زاده كارهوه في بلاط سيف الدّولة، وبعد جفاءً طال من سيف الدّولة جافاه المتنبّي كذلك، وغادره إلى مصر حزيناً قائلاً في قصيدة مطلعها:
 وَاحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلْبُهُ شَبِمُ ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَمُ ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قد بَرَى جَسَدي وتَدَّعِي حُبَّ سَيفِ الدَولةِ الأُمَمُ وأنهاها مُعاتباً بقوله:
 شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بهِ وشَرُّ ما يَكْسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ هذا عِتابكَ إِلاَّ أَنَّهُ مِقَةٌ قد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ ذهبَ المتنبّي لمصرَ طمعاً في ولايةٍ يوليها له كافور الإخشيديّ -على كرهه إياه لكونه عبداً- فمدحه ولم يكن مدحه صافياً؛ إنّما أدخل فيه جفاءه وحنينه لسيف الدّولة الحمداني، فقال في مطلع أول قصيدةٍ مدح بها كافور الإخشيديّ:
 كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا لكنّ الإخشيديّ كان حذراً فلم يُعطِ المُتنبّي مُراده، فهجاهُ وهجا مصراً هِجاءً مُرّاً، وغادرَ مصرَ في يوم عيد، فقال قصيدته التي تضمنّت هجاءً لكافور الإخشيدي وحاشيته، ومطلعُها:
 عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ بعد ذلك توّجه إلى فارس ليمدحَ عضد الدّولة فيها، ثمّ شدّ رحاله بعد ذلك عائداً إلى بغداد حاملاً كلّ ما جمعه ممن مدحهم، ولم يرغب أن يستعين برجالٍ يحمونه من لصوص الطّريق، فلم يُرافقه حينها إلاّ ابنه محسَّد وغلامه، فاعترضَ طريقه رجلٌ يُدعى فاتك بن أبي جهل الأسدي ورجاله،
وهو رجلٌ كان قد هجاه المتنبّي، وقد أوشك المتنبّي أن يفرّ حين تيقّن أنّ مهاجميه لهم الغلبة، فبادره غلامه بقوله: (لا يتحدّث الناس عنك بالفرار وأنت القائل: الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ)، فردّ عليه المتنبي قائلاً: (قتلتني قتلك الله)، فعاد للقتال فقاتل إلى أن قُتل ومات.
 تميُّز المتنبّي لم يحظ شاعرٌ من شعراء العربيّة بمثل ما حظي أبو الطيّب المتنبّي من مكانةٍ عالية، فقد كان أعجوبةً أعجز الشعراء بعده؛ حيثُ بقي شعره إلى الآن يُقرأ ومصدر وحي للكثير من الأدباء والشُّعراء، ومليءٌ بالقوّة والشاعرية القائمة على التجربة الصادقة والحس، وقد أبدع المتنبّي في صياغة أبياته صياغةً تأسرُ الألباب والعقول، فقد كان شاعراً ينتمي لشعراءِ المعاني؛ حيثُ كان موفِّقاً بين الشعر والحكمة، وقد أخرجَ الشّعر عن قيوده وحدوده وابتكرَ الطريقة الإبداعيّة فيه.[٥] يُمثّل شعرُ المتنبّي صورةً حقيقةً وصادقةً عن حياته وأحداثها من اضطرابات وثوراتٍ، كما عرضَ ما كان في عصره من آراءٍ ومذاهب، كما مثّل شعره حياته المُضطّربة؛ ففيه عبّر عن عقله وشجاعته، وطموحه وعلمه، ورضاه وسخطه، وتمثّلت القوة في شعره بقوّة ألفاظه وعباراته ومعانيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق