شاعر الغزل الصريح عمربن ابى ربيعة |
اسمه ونسبه :
هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم بن يقظة بن مرة .
كان جده أبو ربيعة يلقب بــ ( ذي الرمحين ) لطوله . وكان يقال كأنه يمشي على رمحين . وقيل : إنه قاتل يوم عكاظ برمحين . وكان والده عبد الله يسمى في الجاهلية بجيرا ً , فسماه رسول الهل صلى الله عليه وسلم عبد الله , وكانت قريش تلقبه العدل لأنها كانت تكسو الكعبة سنة في الجاهلية وهو يكسوها من ماله سنة
وكانت أمه يمنية أو حضرية تسمى مَجْدا . وكان أبوه في الذورة من قومه ثراء . واستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم واليا ً على إقليم من اليمن يمسى الجند , وظل عليه في عهد عمر وعثمان .
ولد عمر بن أبي ربيعه في مكة وبها نشأ ترعاه أمه الغريبة . وكان جميلا ً فدللته , يؤازرها في ذلك ما ورثه عن أبيه من أموال وغيره وهو شاعر مكي ويشهد على ذلك قوله :
وقد ولد في السنة 23 هـ ــ 644 م في الليلة التي قتل فيها عمر بن الخطاب على الأرجح ولا يعرف بالتأكيد مكان ولادته فقد يكون الجنّد في اليمن أو مكة أو المدينة
ويرجح أن مولده كان في الجنّد من اليمن حيث ولاية أبيه عبد الله عاش حياته للغزل الصريح , فالدنيا دائما ً مشرقة باسمة من حوله . والمغنون والمغنيات من أهل مكة مثل ابن سريح وابن مسجع والفريض يلزمونه ويغنون في شعره , ويقول الرواة : إنه كان في بيته مغنيتان تغنيانه في أشعاره هما بغوم وأسماء , وسرعان ما يطير غزله إلى المدينة فإذا مغنوها ومغنياتها من مثل سعيد وجميلة يغنون فيه ويلم بالمدينة كثيرا ً ويصبح أكبر غزل في عصره , ولهذا لم يكن غريبا ً أن يخلف أضخم ديوان لا في عصره فحسب , بل في جميع العصور العربية .
وكان يستخدم لغة سهلة , فيها عذوبة وحلاوة وينصب شباكه لكل امرأة جميلة في مكة . وتحول إلى مواسم الحج يعلن حبه إعلانا ً لكل امرأة ذات حسن يلقاها فيقول :
يقصد الناس الطواف احتسابا ً وذنوبي مجموعة في الطَّواف ِيقولون إنه مات وقد قارب السبعين او جاوزها . وإذا صح ذلك يكون قد توفي حوالي سنة 93 هـ . وقد تضاربت الروايات في سبب موت عمر , فقيل إنه غزا في البحر , فأحرقت سفينته ومات , وقيل إن امرأة دعت عليه لأنه ذكرها في شعره
شعره
ومن أفضل وأجود قصائد عمربن أبى ربيعة فى الغزل قصيدة (أمن آل نعم)
مناسبة القصيدة:
القصيدة
شرح الابيات
يسائل الشاعر نفسه قائ ً لا لها: أإلى حي آل ُنعٍم تغدو مبكرًا أو تروح فيالهاجرة، بسبب حاجة في نفسك تكتمها عن الناس ولو كنت بحت بها لأقمت عذرًالنفسك. وأنت تحن وجدًا الى نعم فلا شملك مجموع بها، ولا أنت تكف عن حبها.
وقرب نعم غير نافع لك لأنها مع جماعتها، وكذلك بعدها لم يجعلك تنساها، ولا أنتتستطيع الصبر عنها. وهناك عقبة أخرى تحول دون الوصول الى نعم، ويتمنى علىمن يمنعون ذلك لو يعودوا عن غيهم ويسمحوا باللقاء.
ثم يذكر الشاعر أنه إذا زار ُنعمًا يعبس أقاربها في وجهه، لأنه يصعب عليهم
أن ينزل ببيتها، هم يضمرون له البغضاء ويظهرونها. ولذلك فهو يطلب من رسوله
أن يحمل رسالته إليها، لأنه زيارته لها ُتستنكر وُتستغرب. ويطلب من الرسول أن
يجعل علامة صدق رسالته إليها أن يذكرها بقولها حين رأته في (مدفع أكنان)
مخاطبة أختها وقد أشارت إليه بمشط كان في يدها: أهذا الذائع الصيت ؟ أهذا
المغيري المشهور؟ أهذا الذي بالغت في وصفه حتى اشتقت للقائه ولم أكن أنساه
حتى أموت؟ فقالت أختها: نعم، ولكن لا شك أن كثرة أسفاره في الليل والهاجرة هي
التي غيرت لونه، فقد تغير حاله عما كنا نعهده عليه. فقد رأت رج ً لا لا يستقر له
مكان، فهو يظهر للشمس ويبرز إذا توسطت السماء، وفي الليل يبرد بسيره فيه.
رجل قضى عمره مسافرًا يجوب الصحارى حتى أضناه السير والسهر فأصبح
متفرق الشعر، مغبر الوجه لا يركن الى الراحة والدعة. لا يظله شئ على ظهر
المطية من الحر والبرد إلا ما يوفره له ثوبه المزين. وهي مقيمة في بيتها بين
أشجار وارفة الظلال خضراء. يكفيها زوجها أو القائم على أمورها مؤونة الحياة،
ويوفر لها كل احتياجاتها فلا تهتم لشئ.ثم يروي مغامرته ليلة ذي دوران، حين تجشم عناء المشي لي ً لا ليصل الى
محبوبته، حتى إذا شارف على مضاربها بات مراقبًا للقوم محاذرًا من يأتي منهم
ويذهب، ومنتظرًا أن يخلدوا الى النوم، وهو في موقع وعر ما كان ليحتمل مقامه
فيه لولا حاجة نفسه. وبات مع ناقته الفتية في موقع واضح لمن يأتي في الليل أو
يمر به.
وأخذ الشاعر يتساءل بينه وبين نفسه عن خيمة محبوبته وكيف يستدل عليها،
إلا أن رائحة عطرها المميزة دلت قلبه على مكانها، كما أن هواه قد دله عليها دون
أن يشعر. ولما خفتت أصوات القوم، وأطفئت الأنوار تأهبًا للنوم، وغاب القمر،
وعاد الرعيان بالأغنام الى الخيام، ونام ال سمار، حين حدث كل ذلك انسل الشاعر
من مخبئه كما تنسل الأفعى، ومشى مائ ً لا حتى لا يتنبه اليه أحد من القوم. ثم فأجأ
الشاعر حبيبته بالسلام، فأظهرت الحزن، وعضت على أصبعها قائلة: لقد فضحتني،
وأنت رجل أيسر أمورك صعب وعسير، ألم تخف من أعدائك المحيطين بي ؟ فهل
حاجة عاجلة أتت بك رغم وجود الأعداء، أم أنك أمنت منهم لأنهم نائمون؟ فطمأنها
أن أحدًا لم يشعر بقدومه إليها، وهنا هدأت نفسها، ودعت له أن يحفظه الله من
أعدائه، وأسلمت قيادها له، وجعلت له الأمر عليها طول مكوثه معها.
ثم يقص علينا الشاعر كيف بات قرير العين وقد نال حاجته من محبوبته،
وبات يقبل فاها، حتى شعر أن الليل قصير، وكانت لياليه طويلة قبل ذلك. وبات
فمها الجميل ذو الثنايا البراقة المحززة التي تشبه البرد، بات يفوح بالرائحة الطيبة
التي تشبه ريح المسك. وهي ترنو إليه بعينين جميلتين تشبه عيني ابن البقرة
الوحشية.ولما كاد الليل أن ينقضي، وكادت نجومه أن تغور، أشارت إليه محبوبته بأن
موعد استيقاظ القوم قد حان، وأن عليه أن ينصرف الآن وأعطته موعدًا للقاء في
( عزور). وبينما هما كذلك إذ صاح منادي القوم بالرحيل، وقد بدأ ضوء الصبح
15
يلوح في الأفق. وهنا سألته محبوبته عن رأيه في الأمر، فقد تنبه القوم من نومهم،
وسوف يفتضح أمرهما إن رأوه. فقال لها الشاعر: أرى أن أظهر لهم وأواجههم فإما
أنجو منهم، وإما أن يأخذوا ثأرهم مني. إلا أنها اعترضت عليه قائلة إن هذا
التصرف سوف يؤدي الى افتضاح أمرها وإلى أن تصدق أقوال الذين يبغضونها
ويروجون عنها الإشاعات. وقالت له إن هناك رأيًا آخر يبقي أمرهما سرًا، وهو أن
تستشير أختيها في الأمر وتطلب منهما مساعدتهما في حل هذه المعضلة التي ضاقت
بها صدرًا، ولم تدر كيف تتصرف بشأنها. ثم قامت ووجها أصفر من الحزن،
وعيناها تدمعان. فجاءت فتاتان عليهما لباس من الحرير، فقصت عليهما ما هما فيه،
وطلبت معونتهما لهذا الزائر، فخافتا في البداية ثم أخذتا تهدآن من روعها، وتقولان
لها إن الأمر أيسر مما تظن. واقترحت الأخت الصغرى أن تعطي الشاعر قميصها
ورداءها ليتنكر فيهما، ويخرج ماشيًا بينهم فلا يتنبه إليه أحد. وهكذا كان، وخرج
الشاعر يمشي بين ثلاثة أشخاص، كن له ترسًا ووقاية ممن يخافه ويخشاه، وهن
فتاتان كاعبان، وامرأة شابة.فلما تجاوزن به ساحة الحي، وأصبحوا بمنأى عن عيون القوم، أخذن يلمنه
ويعنفنه قائلات له: ألم تخف من الأعداء في هذه الليلة المقمرة ؟ أهذه عادتك دائمًا لا
تهتم ولا تبالي بما تصنع ؟ أما تستحي أو تعود عن غيك أو تفكر في عواقب الأمور
؟ وطلبن منه إذا قدم مرة أخرى أن يوجه نظره الى غيرهم حتى يظن أنه لا
يقصدهم. وهكذا كان آخر عهده بمحبوبته ُنعم حين تركته منصرفة، إلا إنه استوقفها
قائ ً لا لها، بينما كانت الإبل المنسوبة الى أرحب ُتحرك للرحيل: هنيئًا لأهلك أيتها
العامرية ما يجدونه من طيب رائحتك الذكية التي لا أنساها أبدًا.
هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم بن يقظة بن مرة .
كان جده أبو ربيعة يلقب بــ ( ذي الرمحين ) لطوله . وكان يقال كأنه يمشي على رمحين . وقيل : إنه قاتل يوم عكاظ برمحين . وكان والده عبد الله يسمى في الجاهلية بجيرا ً , فسماه رسول الهل صلى الله عليه وسلم عبد الله , وكانت قريش تلقبه العدل لأنها كانت تكسو الكعبة سنة في الجاهلية وهو يكسوها من ماله سنة
وكانت أمه يمنية أو حضرية تسمى مَجْدا . وكان أبوه في الذورة من قومه ثراء . واستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم واليا ً على إقليم من اليمن يمسى الجند , وظل عليه في عهد عمر وعثمان .
ولد عمر بن أبي ربيعه في مكة وبها نشأ ترعاه أمه الغريبة . وكان جميلا ً فدللته , يؤازرها في ذلك ما ورثه عن أبيه من أموال وغيره وهو شاعر مكي ويشهد على ذلك قوله :
وقد ولد في السنة 23 هـ ــ 644 م في الليلة التي قتل فيها عمر بن الخطاب على الأرجح ولا يعرف بالتأكيد مكان ولادته فقد يكون الجنّد في اليمن أو مكة أو المدينة
ويرجح أن مولده كان في الجنّد من اليمن حيث ولاية أبيه عبد الله عاش حياته للغزل الصريح , فالدنيا دائما ً مشرقة باسمة من حوله . والمغنون والمغنيات من أهل مكة مثل ابن سريح وابن مسجع والفريض يلزمونه ويغنون في شعره , ويقول الرواة : إنه كان في بيته مغنيتان تغنيانه في أشعاره هما بغوم وأسماء , وسرعان ما يطير غزله إلى المدينة فإذا مغنوها ومغنياتها من مثل سعيد وجميلة يغنون فيه ويلم بالمدينة كثيرا ً ويصبح أكبر غزل في عصره , ولهذا لم يكن غريبا ً أن يخلف أضخم ديوان لا في عصره فحسب , بل في جميع العصور العربية .
وكان يستخدم لغة سهلة , فيها عذوبة وحلاوة وينصب شباكه لكل امرأة جميلة في مكة . وتحول إلى مواسم الحج يعلن حبه إعلانا ً لكل امرأة ذات حسن يلقاها فيقول :
يقصد الناس الطواف احتسابا ً وذنوبي مجموعة في الطَّواف ِيقولون إنه مات وقد قارب السبعين او جاوزها . وإذا صح ذلك يكون قد توفي حوالي سنة 93 هـ . وقد تضاربت الروايات في سبب موت عمر , فقيل إنه غزا في البحر , فأحرقت سفينته ومات , وقيل إن امرأة دعت عليه لأنه ذكرها في شعره
شعره
هــو مـن دون مـنــازع زعــيـــم الـغــزلــيـن الأمـــويـيــن جميعـاً لا نـســتـثــنـي مـنهـم أحــداً.وهـذا الـغــزل الأمـــوي يمـثــل نـفـــس الـشـاعـــر والجـمـاعــة التـي كـان يـعـيــشفيهــا تمـثيــلاً صــادقــاً صـــحـيحــاً. والــذي يــريـد ان يــدرس حــيـاة الأرســـتــقــراطـيــةالقـرشــيــة في الحـجـــاز أثــنـــاء القــــرن الأول للهـجـــرة يجـــب أن يـتـلمـــس هــذه
الحــياة في شــعــر عمــر إبـن أبــي ربــيـعـــة، فـسيـجـد في هـذا الشـعـر كـيـف كـان ســراة،قـريــش والحـجــاز يـقـضـون حياتهـم الهـادئـة الـفـارغـة، بـل ســيجـد في الـشعـر ألـوان،الـصـِـلات المـُـختـلفـة الحـلوة المـُـبـتـسـمــة التي كانـت تـصـــل بـيـن هــؤلاء الـســراة.
ويعد عمر بن أبي ربيعة أسبق الشعراء الى التخصص فى الغزل وخاصة الغزل الصريح ، فهو يكاد يقتصر في شعره
على موضوع واحد وهو المرأة. كما يتميز شعر عمر أيضًا بكثرة السردالقصصي، وقد أدى هذا السرد القصصي به الى جعل القصيدة وحدة كاملة، بحيث يصعب تقديم بيت على آخر، فأدى الى وجود الوحدة العضوية في قصائده وهذا أمرجيد ومن أفضل وأجود قصائد عمربن أبى ربيعة فى الغزل قصيدة (أمن آل نعم)
مناسبة القصيدة:
عندما وقف الشاعر على أطلال محبوبته ذكرّته الأطلال بمحبوبته وحوارها مع صديقاتها حول عمر وصفاته وسَرَدَ ذلك على ألسنتهن بشكل قصصي محبب إلى النفس جامعا بين أسلوب الشعر وطبيعة القصة وعناصرها .وأظهر من خلال الأبيات أنه معشوق لا عاشق وقد أجاد صياغة الحوار بين أفراد القصة بطريقة مشوقة .
القصيدة
أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ | غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ |
لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها | فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ |
تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ | وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ |
وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت | وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ |
وَأُخرى أَتَت مِن دونِ نُعمٍ وَمِثلُها | نَهى ذا النُهى لَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ |
إِذا زُرتُ نُعماً لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ | لَها كُلَّما لاقَيتُها يَتَنَمَّرُ |
عَزيزٌ عَلَيهِ أَن أُلِمَّ بِبَيتِها | يُسِرُّ لِيَ الشَحناءَ وَالبُغضُ مُظهَرُ |
أَلِكني إِلَيها بِالسَلامِ فَإِنَّهُ | يُشَهَّرُ إِلمامي بِها وَيُنَكَّرُ |
بِآيَةِ ما قالَت غَداةَ لَقيتُها | بِمَدفَعِ أَكنانٍ أَهَذا المُشَهَّرُ |
قِفي فَاِنظُري أَسماءُ هَل تَعرِفينَهُ | أَهَذا المُغيريُّ الَّذي كانَ يُذكَرُ |
أَهَذا الَّذي أَطرَيتِ نَعتاً فَلَم أَكُن | وَعَيشِكِ أَنساهُ إِلى يَومِ أُقبَرُ |
فَقالَت نَعَم لا شَكَّ غَيَّرَ لَونَهُ | سُرى اللَيلِ يُحيِي نَصَّهُ وَالتَهَجُّرُ |
لَئِن كانَ إِيّاهُ لَقَد حالَ بَعدَنا | عَنِ العَهدِ وَالإِنسانُ قَد يَتَغَيَّرُ |
رَأَت رَجُلاً أَمّا إِذا الشَمسُ عارَضَت | فَيَضحى وَأَمّا بِالعَشيِّ فَيَخصَرُ |
أَخا سَفَرٍ جَوّابَ أَرضٍ تَقاذَفَت | بِهِ فَلَواتٌ فَهوَ أَشعَثُ أَغبَرُ |
قَليلاً عَلى ظَهرِ المَطِيَّةِ ظِلُّهُ | سِوى ما نَفى عَنهُ الرِداءُ المُحَبَّرُ |
وَأَعجَبَها مِن عَيشِها ظِلُّ غُرفَةٍ | وَرَيّانُ مُلتَفُّ الحَدائِقِ أَخضَرُ |
وَوالٍ كَفاها كُلَّ شَيءٍ يَهُمُّها | فَلَيسَت لِشَيءٍ آخِرَ اللَيلِ تَسهَرُ |
وَلَيلَةَ ذي دَورانَ جَشَّمتِني السُرى | وَقَد يَجشَمُ الهَولَ المُحِبُّ المُغَرِّرُ |
فَبِتُّ رَقيباً لِلرِفاقِ عَلى شَفا | أُحاذِرُ مِنهُم مَن يَطوفُ وَأَنظُرُ |
إِلَيهِم مَتى يَستَمكِنُ النَومُ مِنهُمُ | وَلى مَجلِسٌ لَولا اللُبانَةُ أَوعَرُ |
وَباتَت قَلوصي بِالعَراءِ وَرَحلُها | لِطارِقِ لَيلٍ أَو لِمَن جاءَ مُعوِرُ |
وَبِتُّ أُناجي النَفسَ أَينَ خِباؤُها | وَكَيفَ لِما آتي مِنَ الأَمرِ مَصدَرُ |
فَدَلَّ عَلَيها القَلبُ رَيّا عَرَفتُها | لَها وَهَوى النَفسِ الَّذي كادَ يَظهَرُ |
فَلَمّا فَقَدتُ الصَوتَ مِنهُم وَأُطفِئَت | مَصابيحُ شُبَّت في العِشاءِ وَأَنوُرُ |
وَغابَ قُمَيرٌ كُنتُ أَرجو غُيوبَهُ | وَرَوَّحَ رُعيانُ وَنَوَّمَ سُمَّرُ |
وَخُفِّضَ عَنّي النَومُ أَقبَلتُ مِشيَةَ ال | حُبابِ وَرُكني خَشيَةَ الحَيِّ أَزوَرُ |
فَحَيَّيتُ إِذ فاجَأتُها فَتَوَلَّهَت | وَكادَت بِمَخفوضِ التَحِيَّةِ تَجهَرُ |
وَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ فَضَحتَني | وَأَنتَ اِمرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُ |
أَرَيتَكَ إِذ هُنّا عَلَيكَ أَلَم تَخَف | وُقيتَ وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُ |
فَوَ اللَهِ ما أَدري أَتَعجيلُ حاجَةٍ | سَرَت بِكَ أَم قَد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُ |
فَقُلتُ لَها بَل قادَني الشَوقُ وَالهَوى | إِلَيكِ وَما عَينٌ مِنَ الناسِ تَنظُرُ |
فَقالَت وَقَد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها | كَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُ |
فَأَنتَ أَبا الخَطّابِ غَيرُ مُدافَعٍ | عَلَيَّ أَميرٌ ما مَكُثتُ مُؤَمَّرُ |
فَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتي | أُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ |
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ تَقاصَرَ طولُهُ | وَما كانَ لَيلى قَبلَ ذَلِكَ يَقصُرُ |
وَيا لَكَ مِن مَلهىً هُناكَ وَمَجلِس | لَنا لَم يُكَدِّرهُ عَلَينا مُكَدِّرُ |
يَمُجُّ ذَكِيَّ المِسكِ مِنها مُفَلَّجٌ | رَقيقُ الحَواشي ذو غُروبٍ مُؤَشَّرُ |
تَراهُ إِذا تَفتَرُّ عَنهُ كَأَنَّهُ | حَصى بَرَدٍ أَو أُقحُوانٌ مُنَوِّرُ |
وَتَرنو بِعَينَيها إِلَيَّ كَما رَنا | إِلى رَبرَبٍ وَسطَ الخَميلَةِ جُؤذَرُ |
فَلَمّا تَقَضّى اللَيلُ إِلّا أَقَلَّهُ | وَكادَت تَوالي نَجمِهِ تَتَغَوَّرُ |
أَشارَت بِأَنَّ الحَيَّ قَد حانَ مِنهُمُ | هُبوبٌ وَلَكِن مَوعِدٌ مِنكَ عَزوَرُ |
فَما راعَني إِلّا مُنادٍ تَرَحَّلوا | وَقَد لاحَ مَعروفٌ مِنَ الصُبحِ أَشقَرُ |
فَلَمّا رَأَت مَن قَد تَنَبَّهَ مِنهُمُ | وَأَيقاظَهُم قالَت أَشِر كَيفَ تَأمُرُ |
فَقُلتُ أُباديهِم فَإِمّا أَفوتُهُم | وَإِمّا يَنالُ السَيفُ ثَأراً فَيَثأَرُ |
فَقالَت أَتَحقيقاً لِما قالَ كاشِحٌ | عَلَينا وَتَصديقاً لِما كانَ يُؤثَرُ |
فَإِن كانَ ما لا بُدَّ مِنهُ فَغَيرُهُ | مِنَ الأَمرِ أَدنى لِلخَفاءِ وَأَستَرُ |
أَقُصُّ عَلى أُختَيَّ بِدءَ حَديثِنا | وَما لِيَ مِن أَن تَعلَما مُتَأَخَّرُ |
لَعَلَّهُما أَن تَطلُبا لَكَ مَخرَجاً | وَأَن تَرحُبا صَدراً بِما كُنتُ أَحصُرُ |
فَقامَت كَئيباً لَيسَ في وَجهِها دَمٌ | مِنَ الحُزنِ تُذري عَبرَةً تَتَحَدَّرُ |
فَقامَت إِلَيها حُرَّتانِ عَلَيهِما | كِساءانِ مِن خَزٍّ دِمَقسٌ وَأَخضَرُ |
فَقالَت لِأُختَيها أَعينا عَلى فَتىً | أَتى زائِراً وَالأَمرُ لِلأَمرِ يُقدَرُ |
فَأَقبَلَتا فَاِرتاعَتا ثُمَّ قالَتا | أَقِلّي عَلَيكِ اللَومَ فَالخَطبُ أَيسَرُ |
فَقالَت لَها الصُغرى سَأُعطيهِ مِطرَفي | وَدَرعي وَهَذا البُردُ إِن كانَ يَحذَرِ |
يَقومُ فَيَمشي بَينَنا مُتَنَكِّراً | فَلا سِرُّنا يَفشو وَلا هُوَ يَظهَرُ |
فَكانَ مِجَنّي دونَ مَن كُنتُ أَتَّقي | ثَلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ وَمُعصِرُ |
فَلَمّا أَجَزنا ساحَةَ الحَيِّ قُلنَ لي | أَلَم تَتَّقِ الأَعداءَ وَاللَيلُ مُقمِرُ |
وَقُلنَ أَهَذا دَأبُكَ الدَهرَ سادِراً | أَما تَستَحي أَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ |
إِذا جِئتِ فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا | لِكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظُرُ |
فَآخِرُ عَهدٍ لي بِها حينَ أَعرَضَت | وَلاحَ لَها خَدُّ نَقِيٌّ وَمَحجَرُ |
سِوى أَنَّني قَد قُلتُ يا نُعمُ قَولَةً | لَها وَالعِتاقُ الأَرحَبيّاتُ تُزجَرُ |
هَنيئاً لِأَهلِ العامِرِيَّةِ نَشرُها ال | لَذيذُ وَرَيّاها الَّذي أَتَذَكَّرُ |
وَقُمتُ إِلى عَنسٍ تَخَوَّنَ نَيَّها | سُرى اللَيلِ حَتّى لَحمُها مُتَحَسِّرُ |
وَحَبسي عَلى الحاجاتِ حَتّى كَأَنَّها | بَقِيَّةُ لَوحٍ أَو شِجارٌ مُؤَسَّرُ |
وَماءٍ بِمَوماءٍ قَليلٍ أَنيسُهُ | بَسابِسَ لَم يَحدُث بِهِ الصَيفَ مَحضَرُ |
بِهِ مُبتَنىً لِلعَنكَبوتِ كَأَنَّهُ | عَلى طَرَفِ الأَرجاءِ خامٌ مُنَشَّرُ |
وَرِدتُ وَما أَدري أَما بَعدَ مَورِدي | مِنَ اللَيلِ أَم ما قَد مَضى مِنهُ أَكثَرُ |
فَقُمتُ إِلى مِغلاةِ أَرضٍ كَأَنَّها | إِذا اِلتَفَتَت مَجنونَةٌ حينَ تَنظُرُ |
تُنازِعُني حِرصاً عَلى الماءِ رَأسَها | وَمِن دونِ ما تَهوى قَليبٌ مُعَوَّرُ |
مُحاوِلَةً لِلماءِ لَولا زِمامُها | وَجَذبي لَها كادَت مِراراً تَكَسَّرُ |
فَلَمّا رَأَيتُ الضَرَّ مِنها وَأَنَّني | بِبَلدَةِ أَرضٍ لَيسَ فيها مُعَصَّرُ |
قَصَرتُ لَها مِن جانِبِ الحَوضِ مُنشَأً | جَديداً كَقابِ الشِبرِ أَو هُوَ أَصغَرُ |
إِذا شَرَعَت فيهِ فَلَيسَ لِمُلتَقى | مَشافِرِها مِنهُ قِدى الكَفِّ مُسأَرُ |
وَلا دَلوَ إِلّا القَعبُ كانَ رِشاءَهُ | إِلى الماءِ نِسعٌ وَالأَديمُ المُضَفَّرُ |
فَسافَت وَما عافَت وَما رَدَّ شُربَها | عَنِ الرَيِّ مَطروقٌ مِنَ الماءِ أَكدَرُ |
شرح الابيات
يسائل الشاعر نفسه قائ ً لا لها: أإلى حي آل ُنعٍم تغدو مبكرًا أو تروح فيالهاجرة، بسبب حاجة في نفسك تكتمها عن الناس ولو كنت بحت بها لأقمت عذرًالنفسك. وأنت تحن وجدًا الى نعم فلا شملك مجموع بها، ولا أنت تكف عن حبها.
وقرب نعم غير نافع لك لأنها مع جماعتها، وكذلك بعدها لم يجعلك تنساها، ولا أنتتستطيع الصبر عنها. وهناك عقبة أخرى تحول دون الوصول الى نعم، ويتمنى علىمن يمنعون ذلك لو يعودوا عن غيهم ويسمحوا باللقاء.
ثم يذكر الشاعر أنه إذا زار ُنعمًا يعبس أقاربها في وجهه، لأنه يصعب عليهم
أن ينزل ببيتها، هم يضمرون له البغضاء ويظهرونها. ولذلك فهو يطلب من رسوله
أن يحمل رسالته إليها، لأنه زيارته لها ُتستنكر وُتستغرب. ويطلب من الرسول أن
يجعل علامة صدق رسالته إليها أن يذكرها بقولها حين رأته في (مدفع أكنان)
مخاطبة أختها وقد أشارت إليه بمشط كان في يدها: أهذا الذائع الصيت ؟ أهذا
المغيري المشهور؟ أهذا الذي بالغت في وصفه حتى اشتقت للقائه ولم أكن أنساه
حتى أموت؟ فقالت أختها: نعم، ولكن لا شك أن كثرة أسفاره في الليل والهاجرة هي
التي غيرت لونه، فقد تغير حاله عما كنا نعهده عليه. فقد رأت رج ً لا لا يستقر له
مكان، فهو يظهر للشمس ويبرز إذا توسطت السماء، وفي الليل يبرد بسيره فيه.
رجل قضى عمره مسافرًا يجوب الصحارى حتى أضناه السير والسهر فأصبح
متفرق الشعر، مغبر الوجه لا يركن الى الراحة والدعة. لا يظله شئ على ظهر
المطية من الحر والبرد إلا ما يوفره له ثوبه المزين. وهي مقيمة في بيتها بين
أشجار وارفة الظلال خضراء. يكفيها زوجها أو القائم على أمورها مؤونة الحياة،
ويوفر لها كل احتياجاتها فلا تهتم لشئ.ثم يروي مغامرته ليلة ذي دوران، حين تجشم عناء المشي لي ً لا ليصل الى
محبوبته، حتى إذا شارف على مضاربها بات مراقبًا للقوم محاذرًا من يأتي منهم
ويذهب، ومنتظرًا أن يخلدوا الى النوم، وهو في موقع وعر ما كان ليحتمل مقامه
فيه لولا حاجة نفسه. وبات مع ناقته الفتية في موقع واضح لمن يأتي في الليل أو
يمر به.
وأخذ الشاعر يتساءل بينه وبين نفسه عن خيمة محبوبته وكيف يستدل عليها،
إلا أن رائحة عطرها المميزة دلت قلبه على مكانها، كما أن هواه قد دله عليها دون
أن يشعر. ولما خفتت أصوات القوم، وأطفئت الأنوار تأهبًا للنوم، وغاب القمر،
وعاد الرعيان بالأغنام الى الخيام، ونام ال سمار، حين حدث كل ذلك انسل الشاعر
من مخبئه كما تنسل الأفعى، ومشى مائ ً لا حتى لا يتنبه اليه أحد من القوم. ثم فأجأ
الشاعر حبيبته بالسلام، فأظهرت الحزن، وعضت على أصبعها قائلة: لقد فضحتني،
وأنت رجل أيسر أمورك صعب وعسير، ألم تخف من أعدائك المحيطين بي ؟ فهل
حاجة عاجلة أتت بك رغم وجود الأعداء، أم أنك أمنت منهم لأنهم نائمون؟ فطمأنها
أن أحدًا لم يشعر بقدومه إليها، وهنا هدأت نفسها، ودعت له أن يحفظه الله من
أعدائه، وأسلمت قيادها له، وجعلت له الأمر عليها طول مكوثه معها.
ثم يقص علينا الشاعر كيف بات قرير العين وقد نال حاجته من محبوبته،
وبات يقبل فاها، حتى شعر أن الليل قصير، وكانت لياليه طويلة قبل ذلك. وبات
فمها الجميل ذو الثنايا البراقة المحززة التي تشبه البرد، بات يفوح بالرائحة الطيبة
التي تشبه ريح المسك. وهي ترنو إليه بعينين جميلتين تشبه عيني ابن البقرة
الوحشية.ولما كاد الليل أن ينقضي، وكادت نجومه أن تغور، أشارت إليه محبوبته بأن
موعد استيقاظ القوم قد حان، وأن عليه أن ينصرف الآن وأعطته موعدًا للقاء في
( عزور). وبينما هما كذلك إذ صاح منادي القوم بالرحيل، وقد بدأ ضوء الصبح
15
يلوح في الأفق. وهنا سألته محبوبته عن رأيه في الأمر، فقد تنبه القوم من نومهم،
وسوف يفتضح أمرهما إن رأوه. فقال لها الشاعر: أرى أن أظهر لهم وأواجههم فإما
أنجو منهم، وإما أن يأخذوا ثأرهم مني. إلا أنها اعترضت عليه قائلة إن هذا
التصرف سوف يؤدي الى افتضاح أمرها وإلى أن تصدق أقوال الذين يبغضونها
ويروجون عنها الإشاعات. وقالت له إن هناك رأيًا آخر يبقي أمرهما سرًا، وهو أن
تستشير أختيها في الأمر وتطلب منهما مساعدتهما في حل هذه المعضلة التي ضاقت
بها صدرًا، ولم تدر كيف تتصرف بشأنها. ثم قامت ووجها أصفر من الحزن،
وعيناها تدمعان. فجاءت فتاتان عليهما لباس من الحرير، فقصت عليهما ما هما فيه،
وطلبت معونتهما لهذا الزائر، فخافتا في البداية ثم أخذتا تهدآن من روعها، وتقولان
لها إن الأمر أيسر مما تظن. واقترحت الأخت الصغرى أن تعطي الشاعر قميصها
ورداءها ليتنكر فيهما، ويخرج ماشيًا بينهم فلا يتنبه إليه أحد. وهكذا كان، وخرج
الشاعر يمشي بين ثلاثة أشخاص، كن له ترسًا ووقاية ممن يخافه ويخشاه، وهن
فتاتان كاعبان، وامرأة شابة.فلما تجاوزن به ساحة الحي، وأصبحوا بمنأى عن عيون القوم، أخذن يلمنه
ويعنفنه قائلات له: ألم تخف من الأعداء في هذه الليلة المقمرة ؟ أهذه عادتك دائمًا لا
تهتم ولا تبالي بما تصنع ؟ أما تستحي أو تعود عن غيك أو تفكر في عواقب الأمور
؟ وطلبن منه إذا قدم مرة أخرى أن يوجه نظره الى غيرهم حتى يظن أنه لا
يقصدهم. وهكذا كان آخر عهده بمحبوبته ُنعم حين تركته منصرفة، إلا إنه استوقفها
قائ ً لا لها، بينما كانت الإبل المنسوبة الى أرحب ُتحرك للرحيل: هنيئًا لأهلك أيتها
العامرية ما يجدونه من طيب رائحتك الذكية التي لا أنساها أبدًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق