سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
سَما الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بأخلاقه الرفيعة والتي أصبحت نبراساً للعالم أجمعين، فهو أكمل البشر وأعظمهم خُلُقاً، لقد أكرمه الله بأن يكون خاتم النبيين والمرسلين وصاحب القرآن المبين، فأرسل الله عزّ وجل معه منهجاً ربانيّاً كاملاً يُلبّي حاجات الروح، والعقل، والجسد، وكان الرّسول الأعظم هو أول من طبّقها ودعا إليها وبهذا كان مُنقذ البشرية، فدعا قومه وكافة العالم بالتخلي عن عباداتهم الوثنية واعتناق دين رب البشريّة. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (سورة الأحزاب،21)
كان عليه السلام أفضل أسوة في تطبيق دين رب البريّة، فكان أعظم مثلاً في تطبيق كتاب الله الذي بُعث به، وأثبت قابليته لإصلاح وتنظيم حياة العالم أجمعين، فهو أوّل من طبّق قواعد القرآن، واستخرج منها قواعد مثالية راقية وترجمها قولاً وفعلاً مع واقعه، حتى باتت كنوزاً تصلح العالم كله إن تمّ تطبيق هذه القواعد، بالإضافة إلى تطبيق نهج السنة والتي أوجدها رسول الله عليه السلام.
(1)
أخلاق الرسول عليه السلام: صدقه وأمانته كانت عظمة أخلاق الرسول عليه السلام ملهمة لمن حوله، فهي مصدر غني للقواعد المثالية االتي ينادي بها علماء النفس الحديث اليوم بالإيتكيت، كان يُلقب بين قومه بالصادق الأمين قبل نزول البعثة عليه؛ لِما تمتع به من صدق وأمانة منذ نعومة أظفاره، وكانوا يُحكّموه في نزاعاتهم ويستودعوه أماناتهم ويحفظها لهم، ولم يغدر بهم يوماً. حين جاء يوم الهجرة طلب الرسول عليه السلام من علي بن أي طالب أن يردّ الأمانات إلى أهلها، كان أوّل ما دعا له الرسول الكريم في أول بعثته هي الالتزام بالأمانة: أمانة القول، وأمانة العمل، وأمانة العبادة، وأمانة حفظ الجوارح من المعاصي، وأمانة الودائع، فلم يُحفظ أنّه غدر أو أخلّ الأمانة بأحد، كما اشتهر عليه السلام بالصدق، فكان الرّسول عليه السلام أسوةً وقدوةَ في الصدق، فهي من أعظم الصفات التي لازمت الرسول الكريم، حتى أشدّ أعدائه الكفار من بني قريش شهدوا له بالصدق وحُسن الأمانة (2)، ويكفي أنّ الله عز وجل وصفه بالقرآن كذلك، (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) > سورة الزّمر،33 <
أخلاق الرسول عليه الصلاة مع أهل بيته
قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) > سنن الترمذي < إذا تأملنا هذا الحديث نستطيع أن نشعر بالطريقة التي تعامل بها الرسول الأمين مع أهل بيته، فكان كريم الخلق، عُرف بحسن المعاشرة لهم، وهو رؤوفٌ بهم يساعدهم في أمور حياتهم، ودود، ولطيف، ورحيمٌ بهم، وكان يمازح زوجاته ويلاطفهن مثلاً كان يرقق عائشة بقوله يا حميراء؛ لأن وجهها كان أحمر اللون أو يناديها بعائش، وينادي لها بنات الأنصار لتلعب معهنّ.
وكان عليه الصلاة والسلام يحترم باقي زوجاته ويعدل بينهنّ ويتحمل غيرة بعضهن البعض، ويقدرهنّ ويبرهن في حياتهن وحتى بعد وفاتهن، فاستمر يواصل صديقات السيدة خديجة حتى بعد مماتها براً بها. كان عليه السلام يحترم بناته جُلّ الاحترام كان يقف لهنّ احتراماً عند مجيئهن، وكان يداعب أطفاله وأحفاده الحسن والحسين، فكانوا يركبون على ظهره وهو يصلي فلا يزعجهم ويبقى ساجداً حتى يفرغوا من اللّعب.
كان يقضي حاجته بنفسه فيخيط ثوبه ويُصلح نعله. (3)
أخلاق الرسول عليه السلام مع الأطفال والخدم كان الرسول عليه السلام
عندما يمر بالأطفال يلقي السلام عليهم ويلاعبهم، وإذا سمع بكاء طفل أثناء الصلاة أسرع بإنهاء الصلاة حتى لا يشق على أمه، وكان عليه السلام يحمل حفيده وهو يصلّي بالناس إذا قام حمله وإذا سجد وضعه، و يُروى أن الرسول الكريم كان يخطب الناس على المنبر فقدما حفيداه الحسن والحسين يمشيان ويعثران فنزل الرسول عليه السلام من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه.
لم يتحمّل أن يُنهي الخطبة حتى ينزل ويحملهما، ثمّ قال صدق الله بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) > سورة الأنفال،28 < كما كان يلاعبهما حين كان يصلي، فكانا يركبان على منكبيه وقت الصلاة ويبقى ساجداً حتى لا يزعجهما. أمّا عن أخلاقه مع الخدم كانت تُجسد كل معاني الرقة واللّطف والتواضع، فلم يضرب خادم قط ، ولم يصرخ بخادم قط (3)،
فعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا) >رواه الشيخان، وأبو داود، والترمذي< أخلاق الرسول عليه السلام في الحرب تجسدت رحمة، وعدل، وحُسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام في الحروب مع أعدائه من اليهود والكفار والنصارى الذين أذاقوه أشد أنواع العذاب والظلم، بينما كان يلاقيهم بدماثة أخلاقه، مما دعا بعضهم إلى اعتناق الإسلام. لو تأملنا حال الرسول عليه السلام وقت الحروب حين كان يوصي أصحابه بأن لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا عابداً، ولا حيواناً، وأن يغزوا الحروب فقط في سبيل الله وليس لأجل مغانم أخرى، ولا يُغالوا ويُنكلّوا في القتل، ولا يغدروا أحد، فقد كان حريصاً على زرع الوفاء في نفوس الصحابة حتى وقت الحروب وكان يتخلى عن الذين غدروا بالحرب حتى لو كان مسلماً، كما كان عليه الصلاة والسلام حريصاً على أن لا يهدر الدماء بل يحاول حقنها ما استطاع، ولم يجبر أحداً خلال الحروب على اعتناق الإسلام، كما كان يتسم بالعفو والصفح بعد الحروب.
(4) زهد الرسول عليه السلام كان الرسول عليه السلام أزهد الناس خلقاً بالدنيا، فكان قنوعاً زاهداً، رغم أن الله خيّره من الدنيا ما شاء، إلاّ أنّه اختار عيش الآخرة. كان عليه الصلاة والسلام يأكل ما يسد رمق جوعه من التمر، والشعير، والماء، وكان ينام جائعاً ملتوياً يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويصحو صائماً، وكانت تُؤتى إليه الأموال فلم يدخر منها شيئاً بل ومات درعه مرهون عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير، وكان يلبس البردة الغليظة، وكان ينام على الحصير.
(5) الرسول عليه السلام مع أصحابه كان لأصحاب رسول الله أوفر الحظ والنصيب من حسن خلق حبيبهم وحبيب الله، كان لهم أوفى الصديق، وكان يرحم ضعيفهم، ويزور مريضهم، ويتفقّد غائبهم، ويُشهد جنائزهم، ويَقضي حوائجهم، ويلبي دعوتهم، ويعدّل بينهم، ويشعر بآلامهم من قبلهم، ويؤثرهم على نفسه، كان عليه السلام حريصاً على تعليمهم، ويُغدق بالعطاء عليهم إذا وُجد معه، كان يمازحهم ويلاطفهم، ويغضب إذا أساء أصحابه بعضهم لبعض، فيصلح فيما بينهم، ويُظهر فضلهم ويُعلي قدرهم وشأنهم، ويحزن لحزن أحدهم ويفرح لفرحهم.
(6) بعض مواقف الرسول عليه السلام في الأخلاق الرحمة وتقبيل الأطفال: قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ). > رواه الألبانيصحيح البخاريصحيح البخاريأبو داودصحيح البخاري النظافة: عن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثًا قد تفرَّق شعره، فقال: (أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ". ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ) > الألبانيصحيح البخاري
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام قدوة للمسلمين وأسوة حسنة في أخلاقه، وصفاته، فهو صاحب الخلق العظيم، وهو السراج المنير الذي أضاء للبشرية دروب رفعتها، ورقيها، وتقدّمها، وضرب أروع الأمثلة والنماذج في تعامله مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، وكان خير الناس لأهله وعشيرته حينما كان يعاملهم بقلب رؤوم، ونفس رحيمة مشفقة.
مواقف من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته
تميّز تعامل النّبي عليه الصّلاة والسّلام مع أهل بيته بما يأتي: محبة أبنائه كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يحبّ أولاده ومن بينهم السّيدة فاطمة رضي الله عنها حيث كان إذا دخلت عليه قام من مجلسه وأمسك بيدها وقبّلها ثمّ أجلسها في مجلسه، وهي تفعل كذلك معه إذا قدم عليها .
مساعدة زوجاته
لم يتكبّر النّبي عليه الصّلاة والسّلام بالرّغم من رجولته الكاملة عن أن يساعد زوجاته في مهنة البيت، فقد جاء في الحديث الشريف: (سألتُ عائشةَ ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنعُ في بيتِه ؟ قالت: كان يكونُ في مهنةِ أهلِه تعني خدمةَ أهلِه فإذا حضرتِ الصلاةُ خرجَ إلى الصلاةِ. )، وفي حديث آخر تفصّل ما كان يعمله رسول الله حيث تقول أنّه كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، وهذا يدلّ على كمال أخلاقه عليه الصّلاة والسّلام ورحمته بأهله.
الاستماع لمشورة أهل بيته
في صلح الحديبيّة استمع النبي عليه الصلاة والسلام إلى مشورة زوجته أم سلمة حينما أشارت عليه أن يحلق رأسه ويذبح هديه، ويتحلل من إحرامه حتى يراه المسلمون فيفعلون مثله حيث أصابهم الهمّ والغمّ يومئذٍ ما جعلهم يترددون في التحلّل من إحرامهم بسبب رغبتهم في دخول البيت الحرام الذي صدّهم المشركون عنه.
التماس العذر لأزواجه
روي أنّ زينب بنت جحش أمّ المؤمنين رضي الله عنها أهدت للنّبي عليه الصّلاة والسّلام طبقاً من طعام وهو في بيت السّيدة عائشة رضي الله عنها، وحينما رأت عائشة ذلك ضربت بيدها الطّبق فتكسّر نصفين وتناثر الطّعام في غرفتها، فلم يزد النّبي عليه الصّلاة والسّلام على أن يتبسمّ قائلاً: (غارت أمكم)[صحيح البخاري].
ممازحة أزواجه
كان من عادة النبي صلّى الله عليه وسلم مشاركة زوجاته أحلى لحظات حياتهنّ، فقد كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يمازح أزواجه، كما كان يزرع البسمة في وجوههنّ حينما كان يسمح للسّيدة عائشة بمشاهدة الحبشة وهم يرقصون بالحراب في المسجد، كما كان يسابق عائشة ويتنافس معها.
الرحمة بالأطفال
من أهل بيته كان النّبي رحيماً مع الصّغار من أهل بيته، فقد كان يسعد برؤية الحسن والحسين حفيديه ويحتضنهم ويقبّلهم حتّى وهو يلقي خطبته على المنبر، فقد ورد في الحديث: (بينا رسولُ اللَّهِ على المنبَرِ يخطبُ إذ أقبلَ الحسنُ، والحسينُ عليهِما قميصانِ أحمرانِ يمشيانِ ويعثُرانِ، فنزلَ وحملَهما، فقال: صدقَ اللَّه: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيتُ هذينِ يمشيانِ ويعثرانِ في قميصيْهما فلم أصبر حتَّى نزلتُ فحملتُهما)[صحيح البخاري]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق