معركة شعرية بين الفرزدق و جرير - الموسوعة العربية للمعرفة

مقالات تشمل كافة مجالات الحياة لنشر الوعي و المعرفة

اخر الأخبار

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

معركة شعرية بين الفرزدق و جرير


                            أقوى المعارك الشعرية على مر العصور 




وكأنها حرب البسوس أو حرب داحٍس والغبراء، فقد نشأت حرب كلامية بين جرير والفرزدق امتدت لأربعين عاما، حيث ظل الشاعران الكبيران يتهاجيان ويتشاتمان والشعراء من حولهما فريقان، يتعصب كل فريق لصاحبه ويدافع عنه، ويهجو شاعر الفريق الآخر، وقد سقط شعراء كُثر فى تلك المعركة ممن انحازوا لكل من الشاعرين ولم يبق منهم سوى الأخطل الذى كان يناصر الفرزدق ضد جرير. وقد حاول الخليفة سليمان بن عبد الملك الصلح بينما دون جدوى، حيث سأل جرير: مالك والفرزدق، فأجاب: إنه يظلمنى، بينما قال الفرزدق: رأيت آبائى يظلمون آباءه، فسرت فيه بسيرتهم، هذا على الرغم من انتماء الشاعرين إلى قبيلة واحدة هى تميم، ولكن الفرزدق كان يتباهى بأهله المباشرين من بنى مجاشع ودارم فى حين كان جرير يهاجم الفرزدق فى عروبته ويعده هجينا، وقد قال فيهما
ذهب الفرزدق بالفخار وإنما

حلو الكلام ومره لجرير
وتصادف أن اجتمع الثلاثة (الأخطل والفرزدق وجرير) فى مجلس الخليفة عبدالملك بن مروان، فاحضر بين يديه كيسا فيه خمسمائة دينار، وقال لهم: ليقل كل منكم بيتا فى مدح نفسه، فأيكم غلب فله الكيس وبدأ الفرزدق.. فقال:
أنا القطران والشعراء جربى
وفى القطران للجربى شفاء
وبعده قال الأخطل:
فإن تك زق زاملة فإنى
أنا الطاعون ليس له دواء
وبعدهما قال جرير:
أنا الموت الذى أتى عليكم
فليس لهارب منى نجاء
فقال عبد الملك لجرير: خذ الكيس، فلعمرى إن الموت يأتى على كل شىء.كما اجتمع جرير والفرزدق عند الحجاج والى العراق فى عهد الأمويين، فقال: من مدحنى منكم بشعر يوجز فيه ويحسن صفتى فله هذه الخلعة.
فقال الفرزدق:
فمن يأمن الحجاج - والطير تتقى
عقوبته - إلا الضعيف العزائم
ثم قال جرير:
فمن يأمن الحجاج - أما عقابه
فمر، وأما عفوه فوثيق
يسر لك البغضاء كل منافق
كما كل دين عليك شفيق
فقال الحجاج للفرزدق: ما قلت شيئا، إن الطير تتقى الصبى والخشبة ودفع الخلعة إلى جرير.
وقد نشأ فن جديد من الشعر، سمى (النقائض) جمع الحوار والمناظرة والتحدى بين الشاعرين ومن انضم إليهما، حيث ينظم أحدهما قصيدة هجاء، فيبادر الآخر مقارعته فى قصيدة أخرى.
ومن أمثلة ذلك.. قول الفرزدق:
ولو ترمى بلوم بنى كليب
نجوم الليل ما وضحت لسار
ولو يرمى بلؤمهم نهار
لدنس لؤمهم وضح النهار
فيسارع جرير بالرد متهما الفرزدق :
لقد ولدت أم الفرزدق فاجرا
وجاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم
ليأمن قردا ليلة غير نائم
أو عندما يقول الفرزدق:
أولئك آبائى فجئنى بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فيرد عليه جرير بقوله:
قوم إذا حضر الملوك وفودهم
نتفت شواربهم على الأبواب
وكذلك قول الفرزدق:
أدرسان قيس لا أبالك تشترى
بأعراض قوم هم بناة المكارم
فيرد جرير عليه:
وإنى وقيسا يا بن قين مجاشع
كريم أصفى مدحتى للأكارم
وأيضا عندما تدخل الأخطل مناصرا للفرزدق ومهاجما جرير:
أزعمت أن بنى كليب سادة
قبحا لذلك معشرا مذكورا
فيرد عليه جرير مهاجما:
الله فضلنا وأخزى تغلبا
لن تستطيع لما قضى تغييرا
ولقد قبل فى وصف الشاعرين: إن جرير يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر، ومن ثم قيل إن الأخطل أخطا عندما تدخل بينهما، فهذا جرير يهاجمه بعنف:
إن الذى حرم المكارم تغلبا
جعل الخلافة والنبوة فينا
مضر أبى وأبو الملوك فهل لكم
يا خرز تغلب من أب كأبينا؟
ويروى أن الأخطل اعترف بذلك للفرزدق، حيث قال له: إن جريرا أو فى من سيَّر الشعر مالم نؤته.. فقد قلت بيتا ما أعلم أن أحدا قال أهجى منه:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم
قالوا لأمهم بولى على النار
ثم اكمل: فلم يروى إلا حكماء أهل الشعر، بينما قال هو (جرير) بيتا فلم تبق شقاه ولا أمثالها إلا روه:
والتغلبى إذا تنبح للقرى
حك استة وتمثل الأمثالا
ومع ذلك - ورغم كل هذه الحرب الكلامية- عندما مات الفرزدق نعاه جرير بأبيات مؤثرة منها:
فلا ولدت بعد الفرزدق حامل
ولا ذات بعل من نفاس تعلت
هو الواقد الميمون والرائق الثائى
إذا النعل يوما بالعشيرة ذلت
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق