نشأة البلاغة وتطورها - الموسوعة العربية للمعرفة

مقالات تشمل كافة مجالات الحياة لنشر الوعي و المعرفة

اخر الأخبار

الأربعاء، 2 يناير 2019

نشأة البلاغة وتطورها




نشأة البلاغة وتطورها

تعريف البلاغة :

البلاغة في اللغة : جاء في لسان العرب " بلغ الشيء يبلغ بُلوغاً وصل وإنتهى وأبلغه إبلاغاً

وبلغه تبليغاً ، …والبلاغة الفصاحة والبَلغُ البلْغ : البليغ من الرجال ، ورجلٌ بليغٌ وبلْغٌ : حسن

الكلام فصيحه ويبلغ بعبارة لسانه كُنه ما في قلبهِ والجمعُ بلغاء وقد بلُغ ( بالضم ) بلاغةً أي صار

بليغاً وقولٌ بليغٌ : بالغٌ وقد بَلُغَ ، والبلاغات كالوشايات . وفي الاصطلاح:



ــ عرفها العسكري ( ت395هـ ) : كلُ ما تبلغُ به المعنى قلبَ السامعِ فتمكنه في نفسه لتمكنه في

نفسك مع صورةٍ مقبولةٍ ومعرضٍ حسنٍ .

ـ وعرفها السكاكي ( ت626هـ ) " هي بلوغُ المتكلمِ في تأدية المعاني حداًله اختصاصٍ بتوفيه

خواص التراكيب حقها وايراد انواعِ التشابهِ والمجازِ والكنايةِ على وجهِها

ـ وعرفها القزويني (ت 739هـ ) :" البلاغةُ في الكلامِ مطابقته لمقتضى الحالِ مع فصاحتِهِ

،فالبلاغةُ راجعةُ الى اللفظِ باعتبارِ إفادته المعنى بالتركيب "



نشأة البلاغة :ـ

إن الباحث حين يتلمس البذور الاولى للبلاغة العربية والنقد قبل عهد التدوين والتأليف يجد ان

العرب عرفوا كثيراً من الأحكام النقدية التي اعانتهم على تفهم الشعر وتذوقه ونقده ، اذ بلغ

العرب في الجاهلية مرتبة رفيعة في البلاغة والبيان ومن اكبر الدلائل على ما حذقوه من حسن

البيان أن كانت معجزة الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحجته القاطعة لهم أن دعا

اقصاهم وادناهم الى معارضة القرآن في بلاغته الباهرة ، وهي دعوة تدل في وضوح على ما

اوتوه من اللسن والفصاحة والقدرة على حوك الكلام كما تدل على بصرهم بتمييز اقدار الألفاظ

 والمعاني وتبيين ما يجري فيها من جودة الافهام وبلاغة التعبير .



واذا كان النقد الادبي قد عُرف منذ الجاهلية فناً مقوماً للادب ، ومميزاً بين صوره ، ومفاضلاً

بينها بصورة تعتمدُ على اسس فنية عامة معروفة لا على ذوق تأثري فردي خاص ، فلا مرية

اذن أن تكون البلاغة قد عُرفت هي الاخرى في ذلك العصر اذ انها جانب مهم من هذا النقد لا

تنفصل عنه الا بتمزيق اوصاله ، وتضييق مجاله .

وقد تكون هذه البلاغة في العصر الجاهلي قد عُرفت فناً جمالياً ، يجمل الصور ويلفت النظر اليها

ولا يدل عليها بمصطلح . إن البلاغة عند العرب قديمة قدم الأدب بشعره ونثره عندهم وقد تكون

المصطلحات البلاغية والنقدية غير معروفة في ذلك العصر ، لكن الفنون البلاغية التي وردت

 في الشعر تشهد ان العرب كانوا يعرفون الأساليب المختلفة والصور المتعددة التي تزيد كلامهم

 جمالاً .

نشأة البحث البلاغي وتطوره التاريخي :

إن العلوم البلاغية الثلاثة ( البيان والبديع والمعاني ) التي وصلت الينا بهذا الشكل من النضج

والتقعيد والمصطلحات البلاغية لا بد لها ان تكون قد مرت بطورٍِ من النشوء والتطور ولابد

من وجود درس بلاغي عربي اخذ على عاتقه مهمة هذا التطور .

وكما في اللغة اذ لم تكن لها قبل التدوين قواعد نحوية او صرفية كانت البلاغة .



"و نشأ البحث البلاغي عند العرب بعد ان نزل القران الكريم وامتدت دعوة الاسلام الى بقاع

العالم ، وكانت نشأته تسير الى جانب نشأة علوم اللغة العربية ويتطور بتطورها عبر القرون" .

اما المصطلحات البلاغية فاول ما ظهرت لم تكن واضحة المعالم ، دقيقة التعريفات وانما كانت

مجرد ملاحظات عابرة يدركها العرب بحكم ذوقهم وسليقتهم في التمييز بين الكلام البليغ وبين

ماهو اقل درجة منه وبين ما هو عارٍ عن البلاغة

واذا انتقلنا الى العصر الاسلامي لم نجد اختلافا كبيراً بين بلاغة هذا العصر وذاك ، فكان العرب

في صدرِ الاسلام يجرون في أساليبهم على الطبع والسليقة تارة وعلى الدربة والتثقيف تارة

اخرى فيفون اللفظ والمعنى حقهما ، ويصلون الى الغرض في ايجاز اواطناب او مساواة حسب

ما يقتضيه المقام .

ونزل القرآن الكريم بلسانٍ عربيٍ مبينٍ ، فقد توج فصاحةَ العربِ ، وبرهن على بلاغتِهم، فكان

القران متحدياً هذه الفصاحة الكاملة وتلك البلاغة التامة

"ومنذ مطلع النصف الثاني من القرن الهجري الاول تقريبا يلحظ الدارس اتساع دائرة الاحكام

الجمالية على روائع الشعر العربي اذ كانت تقام مايشبه المنتديات او المجالس التي تضم عددا من

جهابذة الفن الشعري والبيان".

وشهد القرن الثاني الهجري حركة ادبية واسعة وكانت الحواضر تتمخض عن نهضة علمية

كبيرة وعرف هذا القرن بعض الآثار البلاغية مثل ( كتاب المعاني ) لمؤرج السدوسي (ت

195هـ ) و ( كتاب الفصاحة ) لأبى حاتم السجستاني ( ت200هـ )

ونشطت في العصر العباسي الثاني الأنظار البلاغية اذ مضى كثيرُ من الكتاب مثل ابن المقفع

ومن الشعراء مثل بشار يبدون بعض الملاحظات البلاغية على ما يكسب الكلام حسناًٍ وجمالاً

حتى اذا ظهر مسلم بن الوليد اتخذ ما اكتشفه الأُدباء من محسنات مذهباً أُطلق عليه لاول مرة اسم

 البديع كما اخذ اللغويون من امثال الأصمعي وابي عبيدة في هذه الاثناء يبدون ملاحظات على

وجوه الحسن في الكلام .

ومن اوائل العلماء الذين بحثوا وكتبوا اشياء تتعلق بالبلاغة في القرن الثالث الهجري الامام ابو

عبيدة معمر بن المثنى البصري (ت206هـ )وكان من أئمة الادباء والنقاد ، الذي حلل في كتابه

(مجاز القرآن ) بلاغة الكثير من آيات القرآن الكريم ثم ابو عمر عثمان بن بحر الجاحظ

(ت255هـ)الذي جمع في كتابه البيان والتبيين الكثير من بلاغات العرب وتحديدهم لمعنى البلاغة

 والفصاحة ثم ابو العباس عبد الله بن المعتز ( الخليفة العباسي ) (ت296 هـ)وقد الّف كتابا اسماه

البديع ذكر فيه ثمانية عشر لونا من الوان البديع . و نشأت في هذا القرن والقرن الذي تلاه طائفة

من النقاد الذين اثاروا كثيرا من بحوث البلاغة مثل ابن سلام الجمحي (ت231هـ) وقدامة بن

جعفر (ت337هـ) وابو هلال العسكري ( ت395هـ ) .

ومن العلماء الذين اهتموا بالبلاغة في اواخر القرن الرابع والقرن الخامس الهجريين ابو بكر

 محمد بن الطيب الباقلاني (ت403) صاحب ( اعجاز القرآن ) الذي عرض فيه لانواع بلاغية

عديدة ، والشريف الرضي ( ت406) وابن رشيق القيرواني (ت456) الذي ضمن كتابه ( العمدة ) ابوابا عن البلاغة .

ولا بد من الاشارة الى ثلاثة اسماء مميزة في تاريخ التاليف البلاغي على اختلاف عصورهم وهم

كل من الجرجاني والسكاكي والقزويني فاول مؤلف في البلاغة في رأي الكثير من المختصين

هو عبد القاهر الجرجاني ( ت471هـ ) صاحب كتابي اسرار البلاغة ودلائل الاعجاز وبعد

عصر عبد القاهر بكثير ظهر ابو يعقوب السكاكي (ت626هـ ) الذي الف كتاب المفتاح ، وجعله

اقساما وخص البلاغة بالقسم الثالث منه ، المعاني ـ البيان ـ البديع ـ وبذلك تميزت علوم البلاغة

ومباحث كلِ علم منها بالتفصيل ثم جاء القزويني (ت739هـ) فالف في البلاغة كتابين : تلخيص

المفتاح ، والايضاح وقد الف الايضاح ليكون كالشرح لتلخيص المفتاح ، وجمع فيه الكثير من

البحوث البلاغية العميقة المفيدة .



وقد اختلفتْ الآراء حول الواضع الاول لعلوم البلاغة فقد ذهب ابن خلدون الى ان السكاكي هو

الواضع لها بينما اشار طه حسين الى ان الجاحظ هو واضع هذه العلوم بينما ذهب جمهور من

 العلماء الى ان الواضع لها هو عبد القاهر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق