المجاز
المجاز: في اللغة هو التجاوز والتعدّي.
وفي الاصطلاح اللغوي هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح بقرينة.
أي أن اللفظ يُقصد به غير معناه الحرفي بل معنى له علاقة غير مباشرة بالمعنى الحرفي. والمجاز من الوسائل البلاغية التي تكثر في كلام الناس، البليغ منهم وغيرهم، وليس من الكذب في شيء كما توهّم البعض. وهي تصنف مع علم البيان.
وللمجاز أنواع
١- كالسببية في قولك: عظمت يد فلان عندي؛ أي: نعمته التي سببها اليد.
٢- والمسببية في قولك: أمطرت السماء نباتًا؛ أي: مطرًا يتسبب عنه النبات.
٣- والجزئية في قولك: أرسلت العيون لتطلع على أحوال العدو؛ أي: الجواسيس.
٤- والكلية في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]؛ أي: أناملهم.
٥- واعتبار ما كان في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؛ أي: البالغين.
٦- واعتبار ما يكون في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: عِنبًا.
٧- والمحلية في قولك: قرر المجلس ذلك؛ أي: أهلُه.
٨- والحالية في قوله تعالى: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107]؛ أي جنته (1).
.................................................................................................
١- السببية في قولك: عظمت يد فلان عندي؛ أي: نعمته التي سببها اليد، فهنا عبر بالسبب عن المسبب، السبب هو اليد؛ لأنها هي التي تعطي، والمسبب هو النعمة؛ فعبر باليد عن النعمة مجازًا؛ لأن اليد سبب.
ومثال ذلك أيضًا قال تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ﴾ [غافر: 13] فهنا عبر بالرزق عن المطر؛ لأن الرزق مسبب للمطر؛ فالمطر هو السبب.
٢- والمسببية في قولك: أمطرت السماء نباتًا، فمعلوم أن السماء لا تمطر نباتًا، ولكن تمطر مطرًا يكون به النبات، فهنا عبر بالنبات الذي هو المسبب عن السبب الذي هو المطر؛ لأن المطر يتسبب عنه النبات.
وهذان شيئان متضادان: يعبَّر بالسبب عن المسبَّب، وبالمسبَّب عن السبب، وكلاهما مجاز.
٣- والجزئية في قولك: أرسلت العيون لتطلع على أحوال العدو؛ أي: الجواسيس.
فمن المعلوم أن العين نفسها لا ترسل، ولكن يرسل الشخص؛ ليطلع، لكن لما كان الجاسوس يدرك الأشياء ببصره، ويتأمل الملامح وينظر الأشياء، عبر بالعين عنه؛ أي: عن الجاسوس.
ولو أن إنسانًا قال: أرسلت آذاني في البلد، فهل هذا يصلح أن يعبر به عن الجاسوس؟
الجواب: لا، لا يصلح، ولا عبر به العرب.
لكنها - أي: الآذان - من الممكن أن تكون جاسوسًا في حالة معينة؛ نحو: إذا قيل لك عن بيت: إن فيه اشتباهًا، وأرسلت إليه شخصًا في الليل، فهنا يمكن أن تقول: أرسلت آذاني إلى بيته ليلًا.
٤- والكلية في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]، فهنا عبر بالكل عن الجزء.
ومثال ذلك أيضًا: قوله سبحانه في الحديث القدسي: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين...)) الحديث[1]، فهذا تعبير بالكل عن الجزء، وهذا أمثلته كثيرة.
وعكس ذلك أن تقول: أعتق رقبة، فهنا عبر بالجزء عن الكل.
ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، عبر بالجزء عن الكل؛ لأن المراد الصلاة، والركوع جزء منها.
٥- واعتبار ما كان في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]، من المعلوم أن اليتيم هو من مات أبوه قبل البلوغ، ومَن لم يبلغ لا يعطَ ماله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، فكيف يقول هنا عز وجل: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؟!
الجواب: لأن المراد بالآية هنا البالغون، وإذا كانوا بالغين لم يكونوا يتامى؛ إذ إن اليتيم من لم يبلغ.
فإذا قال قائل: ما الحكمة من أنه سبحانه وتعالى يعبر باليتيم عن البالغ؟
فالجواب: أن الحكمة هي استعطاف الأولياء واسترحامهم؛ حتى يؤدوا الأموال إلى أهلها، فكأنه قال: اذكروا يُتمهم، وأعطوهم أموالهم.
٦- اعتبار ما يكون في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ فالخمر لا يعصر، وإنما هو المعصور!
لكن ما المراد به؟
الجواب: المراد به العنب الذي يكون منه الخمر، فعبر عن شيء باعتبار ما يكون، وهذا له أمثلة كثيرة في القرآن وفي غير القرآن.
ومثاله في القرآن قوله تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [النحل: 1]، عبر بالماضي عن المستقبل.
٧- والمحلية في قولك: قرر المجلس ذلك؛ أي: أهلُه.
تقول: قرر مجلس الوزراء كذا وكذا، وهل الذي قرر الكنبات والمخاد والمساند؟!
الجواب: لا؛ فالذي قرر أهل المجلس، لكن لما كان القرار إجماعيًّا، صار كأن المحل نفسه بمن فيه قرره.
٨- والحالية في قوله تعالى: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107].
والمراد (ففي جنة الله)، لكن عبر عن الجنة بالرحمة؛ لأنها من آثار رحمته.
فالجنه هي رحمة الله؛ كما جاء في الحديث: ((قال لها: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء))[2]؛ لأن الجنه محلُّ الرحمة، جعلني الله وإياكم من أهلها بمنِّه وكرمه.
أسئلة على المجاز المرسل:
السؤال الأول: وضح كل مجاز مرسل وعلاقته في الأمثلة الآتية:
(أ) قال تعالى: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ [يوسف: 82].
(ب) قال تعالى: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107].
(ج) قال تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
(د) قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178].
(هـ) شربت ماء زمزم.
(و) سكن ابن خلدون مصر.
(ز) سقت الدلو الأرض.
(ح) أذل خالد ناصية زيد.
(ط) يلبَسون القطن الذي تنتجه بلادهم.
(ى) ألقى الخطيب كلمة لها كبير الأثر.
(ك) أوقدوا نارًا في هذا المكان.
(ل) سال الوادي.
الأجوبة عنها:
(أ) "القرية" مراد بها أهلها، مجازًا مرسلًا، علاقته المحلية؛ أي: إطلاق المحل، وإرادة الحال.
(ب) "رحمة الله" مراد بها الجنة، مجازًا مرسلًا، علاقته الحالية؛ أي: إطلاق الحال، وإرادة المحل.
(ج) "اركعوا" مراد بها "صلوا"، مجازًا مرسلًا، علاقته الجزئية؛ أي: إطلاق الجزء، وإرادة الكل.
(د) "القتلى" مراد به "من سيقتلون"، مجازًا مرسلًا، علاقته باعتبار ما سيؤول إليه.
(هـ) "ماء زمزم" مراد به بعض مائها، مجازًا مرسلًا، علاقته الكلية؛ أي: إطلاق الكل، وإرادة البعض.
(و) "مصر" مراد بقعة منها، مجازًا مرسلًا، علاقته الكلية.
(ز) "الدلو" مراد بها الماء، مجازًا مرسلًا، علاقته المحلية.
(ح) "ناصية زيد" مراد بها نفسه، مجازًا مرسلًا، علاقته البعضية؛ أي: إطلاق البعض، وإرادة الكل.
(ط) "القطن" مراد به النسيج، مجازًا مرسلًا، علاقته اعتبار ما كان.
(ي) "كلمة" مراد بها الكلام، مجازًا مرسلًا، علاقته الجزئية.
(ك) "نار" مراد بها حطب يؤول إلى نار، مجازًا مرسلًا، علاقته: اعتبار ما سيؤول إليه.
(ل) "الوادي" مراد به الماء، مجازًا مرسلًا، علاقته المحلية.
••••
المجاز المرسل باعتبار ما يكون: قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: عِنبًا يؤول إلى الخمر بعد العصر، فقد أطلق الخمر على العنب باعتبار أنه يكون خمرًا في الاستقبال.
ثانيًا: مثال المجاز المرسل باعتبار ما كان الشي عليه في الزمان الماضي، وليس عليه الآن: قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؛ أي: البالغين؛ فقد أطلق اليتامى على البالغين باعتبار أنهم كانوا على وصف اليتم قبل البلوغ، وليس هذا الوصف موجودًا لهم الآن؛ لأن إيتاء المال إنما هو بعد البلوغ.
والحكمة من أنه سبحانه وصفهم باليتامى هي المبادرة بإعطاء اليتيم ماله؛ يعني: أعطِه ماله مبادرًا؛ كأنه لم يبلغ.
ثالثًا: مثال المجاز المرسل باعتبار الكلية: قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]؛ أي: أناملهم؛ فاستعملت الأصابع في الأنامل التي هي أجزاؤها.
رابعًا: مثال المجاز المرسل باعتبار الجزئية أن تقول: أرسلت العيون لتطلع على أحوال العدو؛ أي: الجواسيس؛ فقد أطلقت العين التي هي جزء الجاسوس عليه، وهو الشخص الرقيب الذي يطلع على عَوْرات العدو.
ولكن لا يصلح إطلاق كل جزء على الكل مجازًا، وإنما يطلق اسم الجزء الذي له مزيد اختصاص بالمعنى الذي قصد من الكل، كما في هذا المثال؛ فإن الإنسان إنما يصير جاسوسًا وشخصًا رقيبًا بالعين؛ إذ لولاها انتفت عنه الرقيبية، بخلاف اليد وغيرها من أجزاء الجاسوس سوى العين؛ فإنه لا يجوز إطلاقها عليه.
قال ابن هشام في شرح القطر ص24: اعلم أن آخر "هات" مكسور أبدًا، إلا إذا كان لجماعة المذكرين، فإنه يضم، فتقول: "هات يا زيد، وهاتي يا هند، وهاتيا يا زيدان، أو يا هندان، وهاتين يا هندات"؛ كل ذلك بكسر التاء،وتقول: هاتوا يا قوم، بضمها؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 111]؛ اهـ.
واعلم - رحمك الله - أنه قد اختلف في "هات"، هل هي اسم فعل، أم فعل أمر؟
ورجح ابن هشام في شرح القطر ص24 أنها فعل أمر؛ بدليل أنها دالة على الطلب، وتلحقها ياء المخاطبة المؤنثة، تقول: هاتي.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_language/0/92411/#ixzz5nPy59gU5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق