الاستعارة
الاستعارة لغة واصطلاحاً الاستعارة لغة، رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، كأن يُقال: استعرتُ من فلان شيئاً، أي حوَّلتُه من يده إلى يدي، أمّا اصطلاحاً، فقد عرّفها كثير من الأدباء والبلغاء، كالجاحظ والجرجاني، وكلّ أقوالهم في ما يتعلّق فيها تتلخّص في أنَّها استعمال كلمة، أو معنى لغير ما وُضِعت به، أو جاءت له لشبه بينهما؛ بهدف التوسُّع في الفكرة، أو هي تشبيه حُذِف أحدُ أركانه، كقول الحجّاج: "إنّي أرى رؤوساً قد أينعت وحان قِطافها"؛ إذ تُستخدم كلمتا أينعت، والقِطاف للنبات وليس للإنسان، وقد حُذِف هنا المُشبَّه به وهو الثَّمَر.
أركان الاستعارة الاستعارة نوع من المَجاز اللغويّ، وهذا النوع فيه مشابهة بين المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي، وتتكوّن الاستعارة مما يأتي:
المُستعار منه: معنى الأصل الذي وُضعَت له العبارة أولاً، وهو المُشبَّه به. المُستعار له: معنى الفرع الذي لم تُوضَع له العبارة أولاً وهو المشبَّه.
المُستعار: أي اللفظ المَنقول بين المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هو وجه الشَّبَه.
القرينة: هي التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ، وهي إمّا لفظيّة، وإمّا حاليّة تُبيّن الحال. ومثال ذلك قول الهذليّ: (وإذا المَنِيّة أنشبَت أظفارَها.....أبصرتُ كلَّ تميمة لا تنفعُ). فقد شبّه المَنِيّة بحيوان مُفترِس له أظافر، وقد حُذِف المُشبَّه به هنا، والقرينة إثبات الأظافر للمَنِيّة.
ومن أشهر ما ذُكر في الاستعارة من القرآن الكريم: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا).
فالمُستعار منه هو النار، والمُستعار له هو الشَّيب، والمُستعار هو فعل الاشتعال.
أصل الاستعارة كانت العرب تستعير الكلمة فتضعها في مكان كلمة أخرى تشبهها، كأن تكون جزءاً منها، أو سبباً لها، كقول العرب: أصابَنا ربيعٌ باكرٌ؛ إذا أمطرت باكراً في فصل الربيع.
ولكلِّ استعارة معنى حقيقيّ، وبيان مشترك بين المستعار، والمستعار له لا يُفهَم إلا بالاستعارة.
أنواع الاستعارة توصَف الاستعارة بأنَّها حسنة؛ إذا كثرت فيها أساليب البلاغة، وتمّ بها بيان المعنى بوجوه لا تتمّ بالحقيقة، وتوصَف بالقبح؛ إذا خلت من أساليب البلاغة، ومثال ذلك قول الشاعر: أيا مَن رمى قلبي بسهمٍ فأنفَذا، والتعبير (أنفَذا) استعارةٌ حسنةٌ؛ لما فيها من بلاغة في وصف السرعة، وسهولة النفاذ، وكذلك الأمر لو قال: (فأصابا) مثلاً؛ لبلاغة تحقيق الإصابة، أما لو قال مثلاً: (فأدخلا)، لكانت استعارة قبيحة؛ لأنَّها لا تحقِّق البلاغة في وصف السهولة والسرعة.
تُقسَم الاستعارة من حيث ذكر أحد أطرافها إلى:استعارة تصريحيّة: وهي ما ذُكر فيها، أو صُرِّح فيها بلفظ المُشبَّه به، أو ما استُعير فيها لفظ المُشبَّه به للمُشبَّه، ومثاله قول الله تعالى: (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ).
وقد استُعمِلت كلمتا الظُّلُمات والنور، لتدلّا على الضّلال والنور، وقد حُذِف المُشبَّه واستُعِير بدلاً منه المُشبَّه له؛ ولأنّ المُشبَّه صُرِّح به فهي استعارة تصريحيّة، والقرينة حاليّة تُفهم من المعنى، وكقول المتنبي يَصِفُ سيف الدولة: (وأقبل يمشي في البساط فما درى......إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي).
وقد استُعِير لفظا البحر والبدر، ليدلّا على كرم سيف الدولة، ورفعته. استعارة مكنيّة: وهي التي حُذِف فيها المُشبَّه به، أو المستعار منه، ورُمِز له بشيء من لوازمه، كقول الشاعر الخزاعيّ: (لا تعجبي يا سلم من رجل..........ضحك المَشيب برأسه فبكى).
فقد شُبِّه المَشيب وهو الشَّيب بإنسان يضحك، وقد حُذِف المُستعار منه (وهو المشبّه به الإنسان)، ورُمِز إليه بأمر من لوازم الإنسان وهو الضحك. وكقول الله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا) فقد شُبِّه الرأس بالوقود، وحُذِف المُشبّه به، ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو الاشتعال، فالمُستعار منه هو النار، والمُستعار له الشَّيب، والمعنى الذي يجمع بينهما هو انبِساط النار.
يقسِّم البلغاء الاستعارة أيضاً من حيث لفظها إلى:
استعارة أصليّة: أي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً جامداً غير مُشتقّ، مثل قول الشاعر: (عضَّنَا الدهر بنابه.....ليتَ ما حلَّ بنابِهْ). فقد شُبِّه الدهر بحيوان مُفترِس، ثم حُذِف المُشبَّه به ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو العضّ، والدهر اسم جامد. استعارة تبعيّة: وهي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً مشتقّاً، أو فعلاً مثل قول الله تعالى: (وَلَمّا سَكَتَ عَن موسَى الغَضَبُ).
فلفظة سكت مستعارة، وهي بدل كلمة انتهى، وقد شُبِّه الغضب بإنسان، ثم حُذِف المُشبَّه به وهو الإنسان، وقد رُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو السكوت. تُقسَم الاستعارة من حيث طرفيها باعتبار المُلائِم -أي شيء يلائم المُشبَّه به-:
الاستعارة المُرشحة: وهي ما ذُكِر معها ملائم المُشبَّه به، أي المُُستعار منه، والمُلائم شيء يلائم المُشبَّه به، ومثال ذلك قول الشاعر: (إذا ما الدهر جرّ على أناس.....كلاكله أناخ بآخرينا).
ومعنى البيت أنَّ عادة الدهر تكدير العيش على الناس، فيصيب أناساً بأذى، ثم ينتقل ليصيب آخرين، وقد شبّه الدهر بجَمل إلا أنّه حذف المُشبَّه به (الجمل)، وأشار إليه بلفظ كلاكل، ويعني الصَّدر، والقرينة هي إثبات الكلاكل للدهر.
الاستعارة المُجرَّدة: وهي ما ذُكر معها ملائم المُشبَّه أي المُستعار له، وعلى سبيل المثال، قَوْل: "رحم الله امرءاً ألجم نفسه بإبعادها عن شهواتها"، حيث شُبِّهت النفس بجواد يُكبَح، وحُذِف لفظ الجواد، ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو الإلجام. الاستعارة المُطلَقة: وهي التي خلت من ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هي أيضاً ما ذُكِر معها ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به معاً، ومثال ما خلت من الملائمات قول المتنبي: (يا بدر يا بحر يا غمامة يا......ليث الشرى يا حِمام يا رجل).
والمُشبَّه هنا المَمدوح، والمُشبَّه به كلٌّ من البدر، والبحر، والغمامة، وليث الشرى، والحِمام، والقرينة هي النّداء، وهي خالية من ما يلائم المُشبَّه والمُشبَّه به؛ ولذلك سُمِّيت بالمُطلَقة. تُقسَم الاستعارة أيضاً إلى مُفرَدة، ومُركَّبة، وفي ما يأتي بيان لكلٍّ منهما:الاستعارة المُفرَدة: هي التي يكون المُستعار فيها لفظاً مفرداً، كالاستعارة التصريحيّة والمكنيّة.
الاستعارة المُركَّبة: وهي التي يكون المُستعار فيها تركيباً وليس لفظاً، وتُسمَّى بالاستعارة التمثيليّة، وهي تركيب استُعمِل في غير موضعه؛ لعلاقة المُشابَهة مع قرينة مانعة من تحقيق المعنى الأصليّ، ومثال ذلك قول: "لا تنثر الدرّ أمام الخنازير!"، والمعنى الحقيقيّ هنا هو النّهي عن نثر الدرّ أمام الخنازير، إلّا أنّه يُقال مجازاً لمن يقدِّم النصيحة لمن لا يفهمُها، أو لا يأخذُ بها.
وهنا شُبِّه من يقدِّم النُّصح لمن لا يفهمه، أو لا يعمل به، بمن ينثر الدرّ أمام الخنازير؛ إذ إنّ كليهما لا ينتفع بالشيء الثمين الذي أُلقِي إليه، والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ حاليّة تُفهَم من سياق الكلام.
خصائص الاستعارة الاستعارة صفة من صفات البلاغة، وفصاحة القول، فهي تعطي معنىً كثيراً بلفظ يسير، ومن خصائصها التشخيص، وتجسيد المعنى، وبثّ الحياة في الجماد، وتقريب المعنى، وإبرازه أيضاً.
إجراء الاستعارة يُقصَد بإجراء الاستعارة تحليلها إلى عناصرها الأساسيّة التي تتألّف منها، ويشمل التحليل تعيين كلِّ من المُشبَّه، والمُشبَّه به في الاستعارة، ووجه الشَّبه، أو الصفة التي تجمع بين طرفي التشبيه (المُشبَّه والمُشبَّه به)، ونوع الاستعارة، وكذلك نوع القرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ، وكونها لفظيّة، أو حاليّة تُفهَم من سياق الكلام، والمثال الآتي يوضِّح عناصر الاستعارة؛ إذ يقول ابن المُعتز: (جُمِع الحقّ لنا في إمام ......قتل البخل وأحيا السماحا) وفي البيت استعارتان: الأولى في قتل البخل؛ حيث شُبِّهت كلُّ مظاهر البخل (وهي المُشبَّه)، بالقتل (وهو المُشبَّه به)، يجمع بينهما الزّوال، أما القرينة فهي البخل، والاستعارة تصريحيّة؛ حيث إنّ المُشبَّه به وهو القتل، مُصرَّحٌ به. أمّا الاستعارة الثانية ففي عبارة "أحيا السماحا"؛ حيث شُبِّه تجديد ما تلاشى من عادة الكرم (وهو المُشبَّه)، بالإحياء الذي هو (المُشبَّه به)، لوجه الشبه في الإيجاد بعد العدم، والقرينة لفظيّة في كلمة السماحا؛ ولأنّ المُشبَّه به وهو الإحياء مُصرَّح به، فالاستعارة تصريحيّة.
الاستعارة لغة واصطلاحاً الاستعارة لغة، رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، كأن يُقال: استعرتُ من فلان شيئاً، أي حوَّلتُه من يده إلى يدي، أمّا اصطلاحاً، فقد عرّفها كثير من الأدباء والبلغاء، كالجاحظ والجرجاني، وكلّ أقوالهم في ما يتعلّق فيها تتلخّص في أنَّها استعمال كلمة، أو معنى لغير ما وُضِعت به، أو جاءت له لشبه بينهما؛ بهدف التوسُّع في الفكرة، أو هي تشبيه حُذِف أحدُ أركانه، كقول الحجّاج: "إنّي أرى رؤوساً قد أينعت وحان قِطافها"؛ إذ تُستخدم كلمتا أينعت، والقِطاف للنبات وليس للإنسان، وقد حُذِف هنا المُشبَّه به وهو الثَّمَر.
أركان الاستعارة الاستعارة نوع من المَجاز اللغويّ، وهذا النوع فيه مشابهة بين المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي، وتتكوّن الاستعارة مما يأتي:
المُستعار منه: معنى الأصل الذي وُضعَت له العبارة أولاً، وهو المُشبَّه به. المُستعار له: معنى الفرع الذي لم تُوضَع له العبارة أولاً وهو المشبَّه.
المُستعار: أي اللفظ المَنقول بين المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هو وجه الشَّبَه.
القرينة: هي التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ، وهي إمّا لفظيّة، وإمّا حاليّة تُبيّن الحال. ومثال ذلك قول الهذليّ: (وإذا المَنِيّة أنشبَت أظفارَها.....أبصرتُ كلَّ تميمة لا تنفعُ). فقد شبّه المَنِيّة بحيوان مُفترِس له أظافر، وقد حُذِف المُشبَّه به هنا، والقرينة إثبات الأظافر للمَنِيّة.
ومن أشهر ما ذُكر في الاستعارة من القرآن الكريم: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا).
فالمُستعار منه هو النار، والمُستعار له هو الشَّيب، والمُستعار هو فعل الاشتعال.
أصل الاستعارة كانت العرب تستعير الكلمة فتضعها في مكان كلمة أخرى تشبهها، كأن تكون جزءاً منها، أو سبباً لها، كقول العرب: أصابَنا ربيعٌ باكرٌ؛ إذا أمطرت باكراً في فصل الربيع.
ولكلِّ استعارة معنى حقيقيّ، وبيان مشترك بين المستعار، والمستعار له لا يُفهَم إلا بالاستعارة.
أنواع الاستعارة توصَف الاستعارة بأنَّها حسنة؛ إذا كثرت فيها أساليب البلاغة، وتمّ بها بيان المعنى بوجوه لا تتمّ بالحقيقة، وتوصَف بالقبح؛ إذا خلت من أساليب البلاغة، ومثال ذلك قول الشاعر: أيا مَن رمى قلبي بسهمٍ فأنفَذا، والتعبير (أنفَذا) استعارةٌ حسنةٌ؛ لما فيها من بلاغة في وصف السرعة، وسهولة النفاذ، وكذلك الأمر لو قال: (فأصابا) مثلاً؛ لبلاغة تحقيق الإصابة، أما لو قال مثلاً: (فأدخلا)، لكانت استعارة قبيحة؛ لأنَّها لا تحقِّق البلاغة في وصف السهولة والسرعة.
تُقسَم الاستعارة من حيث ذكر أحد أطرافها إلى:استعارة تصريحيّة: وهي ما ذُكر فيها، أو صُرِّح فيها بلفظ المُشبَّه به، أو ما استُعير فيها لفظ المُشبَّه به للمُشبَّه، ومثاله قول الله تعالى: (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ).
وقد استُعمِلت كلمتا الظُّلُمات والنور، لتدلّا على الضّلال والنور، وقد حُذِف المُشبَّه واستُعِير بدلاً منه المُشبَّه له؛ ولأنّ المُشبَّه صُرِّح به فهي استعارة تصريحيّة، والقرينة حاليّة تُفهم من المعنى، وكقول المتنبي يَصِفُ سيف الدولة: (وأقبل يمشي في البساط فما درى......إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي).
وقد استُعِير لفظا البحر والبدر، ليدلّا على كرم سيف الدولة، ورفعته. استعارة مكنيّة: وهي التي حُذِف فيها المُشبَّه به، أو المستعار منه، ورُمِز له بشيء من لوازمه، كقول الشاعر الخزاعيّ: (لا تعجبي يا سلم من رجل..........ضحك المَشيب برأسه فبكى).
فقد شُبِّه المَشيب وهو الشَّيب بإنسان يضحك، وقد حُذِف المُستعار منه (وهو المشبّه به الإنسان)، ورُمِز إليه بأمر من لوازم الإنسان وهو الضحك. وكقول الله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا) فقد شُبِّه الرأس بالوقود، وحُذِف المُشبّه به، ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو الاشتعال، فالمُستعار منه هو النار، والمُستعار له الشَّيب، والمعنى الذي يجمع بينهما هو انبِساط النار.
يقسِّم البلغاء الاستعارة أيضاً من حيث لفظها إلى:
استعارة أصليّة: أي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً جامداً غير مُشتقّ، مثل قول الشاعر: (عضَّنَا الدهر بنابه.....ليتَ ما حلَّ بنابِهْ). فقد شُبِّه الدهر بحيوان مُفترِس، ثم حُذِف المُشبَّه به ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو العضّ، والدهر اسم جامد. استعارة تبعيّة: وهي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً مشتقّاً، أو فعلاً مثل قول الله تعالى: (وَلَمّا سَكَتَ عَن موسَى الغَضَبُ).
فلفظة سكت مستعارة، وهي بدل كلمة انتهى، وقد شُبِّه الغضب بإنسان، ثم حُذِف المُشبَّه به وهو الإنسان، وقد رُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو السكوت. تُقسَم الاستعارة من حيث طرفيها باعتبار المُلائِم -أي شيء يلائم المُشبَّه به-:
الاستعارة المُرشحة: وهي ما ذُكِر معها ملائم المُشبَّه به، أي المُُستعار منه، والمُلائم شيء يلائم المُشبَّه به، ومثال ذلك قول الشاعر: (إذا ما الدهر جرّ على أناس.....كلاكله أناخ بآخرينا).
ومعنى البيت أنَّ عادة الدهر تكدير العيش على الناس، فيصيب أناساً بأذى، ثم ينتقل ليصيب آخرين، وقد شبّه الدهر بجَمل إلا أنّه حذف المُشبَّه به (الجمل)، وأشار إليه بلفظ كلاكل، ويعني الصَّدر، والقرينة هي إثبات الكلاكل للدهر.
الاستعارة المُجرَّدة: وهي ما ذُكر معها ملائم المُشبَّه أي المُستعار له، وعلى سبيل المثال، قَوْل: "رحم الله امرءاً ألجم نفسه بإبعادها عن شهواتها"، حيث شُبِّهت النفس بجواد يُكبَح، وحُذِف لفظ الجواد، ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو الإلجام. الاستعارة المُطلَقة: وهي التي خلت من ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هي أيضاً ما ذُكِر معها ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به معاً، ومثال ما خلت من الملائمات قول المتنبي: (يا بدر يا بحر يا غمامة يا......ليث الشرى يا حِمام يا رجل).
والمُشبَّه هنا المَمدوح، والمُشبَّه به كلٌّ من البدر، والبحر، والغمامة، وليث الشرى، والحِمام، والقرينة هي النّداء، وهي خالية من ما يلائم المُشبَّه والمُشبَّه به؛ ولذلك سُمِّيت بالمُطلَقة. تُقسَم الاستعارة أيضاً إلى مُفرَدة، ومُركَّبة، وفي ما يأتي بيان لكلٍّ منهما:الاستعارة المُفرَدة: هي التي يكون المُستعار فيها لفظاً مفرداً، كالاستعارة التصريحيّة والمكنيّة.
الاستعارة المُركَّبة: وهي التي يكون المُستعار فيها تركيباً وليس لفظاً، وتُسمَّى بالاستعارة التمثيليّة، وهي تركيب استُعمِل في غير موضعه؛ لعلاقة المُشابَهة مع قرينة مانعة من تحقيق المعنى الأصليّ، ومثال ذلك قول: "لا تنثر الدرّ أمام الخنازير!"، والمعنى الحقيقيّ هنا هو النّهي عن نثر الدرّ أمام الخنازير، إلّا أنّه يُقال مجازاً لمن يقدِّم النصيحة لمن لا يفهمُها، أو لا يأخذُ بها.
وهنا شُبِّه من يقدِّم النُّصح لمن لا يفهمه، أو لا يعمل به، بمن ينثر الدرّ أمام الخنازير؛ إذ إنّ كليهما لا ينتفع بالشيء الثمين الذي أُلقِي إليه، والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ حاليّة تُفهَم من سياق الكلام.
خصائص الاستعارة الاستعارة صفة من صفات البلاغة، وفصاحة القول، فهي تعطي معنىً كثيراً بلفظ يسير، ومن خصائصها التشخيص، وتجسيد المعنى، وبثّ الحياة في الجماد، وتقريب المعنى، وإبرازه أيضاً.
إجراء الاستعارة يُقصَد بإجراء الاستعارة تحليلها إلى عناصرها الأساسيّة التي تتألّف منها، ويشمل التحليل تعيين كلِّ من المُشبَّه، والمُشبَّه به في الاستعارة، ووجه الشَّبه، أو الصفة التي تجمع بين طرفي التشبيه (المُشبَّه والمُشبَّه به)، ونوع الاستعارة، وكذلك نوع القرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ، وكونها لفظيّة، أو حاليّة تُفهَم من سياق الكلام، والمثال الآتي يوضِّح عناصر الاستعارة؛ إذ يقول ابن المُعتز: (جُمِع الحقّ لنا في إمام ......قتل البخل وأحيا السماحا) وفي البيت استعارتان: الأولى في قتل البخل؛ حيث شُبِّهت كلُّ مظاهر البخل (وهي المُشبَّه)، بالقتل (وهو المُشبَّه به)، يجمع بينهما الزّوال، أما القرينة فهي البخل، والاستعارة تصريحيّة؛ حيث إنّ المُشبَّه به وهو القتل، مُصرَّحٌ به. أمّا الاستعارة الثانية ففي عبارة "أحيا السماحا"؛ حيث شُبِّه تجديد ما تلاشى من عادة الكرم (وهو المُشبَّه)، بالإحياء الذي هو (المُشبَّه به)، لوجه الشبه في الإيجاد بعد العدم، والقرينة لفظيّة في كلمة السماحا؛ ولأنّ المُشبَّه به وهو الإحياء مُصرَّح به، فالاستعارة تصريحيّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق