غزوة بدر
سبب غزوة بدر وقعت غزوة بدرٍ الكبرى في نهار يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان سببها قدوم قافلة قريش التجارية من الشام بقيادة أبو سفيان بن حرب، وكانت هذه القافلة قد أفلتت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند خروجها من مكة إلى الشام، وكانت القافلة مكونةً من ألف بعيرٍ، وكان مال القافلة خمسين ألف دينار، وعدد رجال القافلة ثلاثون أو أربعون رجلاً.
[١] ولمّا سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- برجوع قافلة قريشٍ من الشام، استنفر إليها أصحابه رضي الله عنهم، وقال: هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعلّ الله أن ينفلكموها -أي تكون لكم غنيمة-، فاستجاب بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وتثاقل عن الخروج بعض الصحابة؛ لظنّهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُريد حرباً، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه بعد مرور ثلاث ليالٍ من رمضان، وولّى على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وكان عدد المسلمين ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، وكان عدد الأنصار في الجيش مئتان وأربعون ونيِّف، والباقون من المهاجرين، وكان عتاد المسلمين؛ فرسين، وسبعون بعيراً يتناوبون في الركوب عليها، وحامل اللواء مصعب بن عمير.
[٢] أحداث غزوة بدر سار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه حتى نزل أوّل ماء بدر، فأشار عليه الحبّاب بن المنذر أن ينزلوا عند بئرٍ كثيرة الماء عذبة فيشربون منها، ويهدمون ما سواها من الآبار، ثم بنى المسلمون للنبي -صلى الله عليه وسلم- عريشاً يُراقب فيه المعركة، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يمشي في موضع المعركة، ويُشير إلى المكان الذي سيُصرع فيه سادات قريش، فلمّا طلع المشركون، وتقابل الجيشان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها، جاءت تحادّك، وتكذّب رسولك"، وقال: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي)،
[٣] ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- داعياً يستنصر ربّه، وبات النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة بدرٍ يُصلّي إلى جذع شجرةٍ هناك.
(٤) فلمّا أصبحوا، أقبلت قريش بجيشها، واصطفّ الفريقان، وعدّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفوف، ثم عاد إلى عريشه، ومعه أبو بكرٍ الصديق، ثم خرج عتبة وشيبة ابنا الربيعة، والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة، فخرج إليهم عليُّ بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، فقتل عليٌّ الوليد بن عتبة، وقتل حمزة عتبة، وقيل: قتل حمزة شيبة، واقتتل عبيدة بن الحارث وعتبة فضرب كلٌ منهما الآخر ضربة، وكرَّ عليٌّ وحمزة على عتبة بن الربيعة فقتلاه، ثم احتملا عبيدة بن الحارث، وقد قُطعت ساقه، ثم توفيَّ -رحمه الله- بعد ذلك.
[٤] ثم التحم الجيشان بعد ذلك، واشتدّ القتال، وحمي الوطيس، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويبتهل، ويسأل الله النصر؛ حتى أخذت النبي -صلى الله عليه وسلم- غفوة، وأصاب القوم النعاس وهم في الحرب، ثم استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع، فجاء النصر من عند الله، وأنزل الله تعالى جنوده من الملائكة، وأيّد الله رسوله والمؤمنين، ومنحهم أكتاف المشركين، فقتلوا من المشركين سبعين، وأسروا منهم سبعين.[٤] نجاة قافلة قريش كان أبو سفيان بن حرب قائد القافلة التجارية لقريش، وحين عاد من الشام إلى الحجاز، أخذ يتحسّس الأخبار، ويسأل القوافل الأخرى عن أمر المسلمين، فوصل إليه خبر خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- لاعتراض قافلة قريش، فاستأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري ليُنذر قريش بخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لاعتراض القافلة، والاستيلاء عليها، وانطلق ضمضم سريعاً حتى أتى مكة، فدخل مكة وقد قَطع أنف ناقته، وحوّل رحله، وشقَّ قميصه، وصرخ ببطن الوادي في مكة قائلاً: يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد تعرّض لها محمدٌ وأصحابه، فأدركوا أموالكم، الغوث، الغوث.
[٥] تابع أبو سفيان سيره بالقافلة التجارية على الطريق الرئيسي حتى وصل بدراً، ولقي فيها مجدي بن عمرو، فسأله عن جيش النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بأنه لم يرَ شيئاً سوى راكبين كانا قد نزلا على ماء بدر فشربا، ثم انطلقا، وتفقّد أبو سفيان روث الناقتين، فوجد أن علفهما من علف المدينة المنورة، فعلم أن الراكبين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو سفيان مسرعاً، وحوّل وجهته إلى الساحل غرباً، تاركاً الطريق الرئيسي على يساره، وبذلك نجت قافلة قريش من الوقوع في قبضة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.[٥] نتائج غزوة بدر استُشهد من المسلمين في غزوة بدر أربعة عشر صحابياً، وهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب، عمير بن أبي وقاص، وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة، وعاقل بن البكير، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وصفوان بن بيضاء، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر، ويزيد بن الحارث، وعمير بن الحُمام، ورافع بن المعلَّى، وحارثة بن سراقة بن الحارث، وعوف ومُعوِّذ ابنا الحارث بن رفاعة، أمَّا عدد القتلى من المشركين، ففيه خلاف، فقال ابن هشام: "جميع من أحصي لنا من قتلى قريشٍ يوم بدرٍ خمسون رجلاً"، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب: عدد القتلى من المشركين يوم بدر سبعون رجلاًن والأسرى كذلك.[٦] أسرى بدر استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في أمر الأسرى بعد أن أتم الله -تعالى- نعمته على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنصر على المشركين من قريش، وكان عددهم سبعين رجلاً، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله هؤلاء قد كذّبوك، وقاتلوك، وأخرجوك؛ فاقتلهم، فهم أئمة الكفر، وروؤس الضلال، ووافق عمر بن الخطاب جماعة من الصحابة، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، هؤلاء أهلك، وقومك، وقد مكّنك الله منهم، وأعطاك النصر عليهم، وإني أرى أن تأخذ الفدية منهم، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا في قتال المشركين، وعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، ووافق أبو بكرٍ الصديق جماعة من الصحابة.
[٧] ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأي أبي بكرٍ الصديق، وقبِل الفداء من الأسرى، فنزل قول الله -تعالى- موافقاً لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقال الله تعالى: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّـهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزيزٌ حَكيمٌ* لَولا كِتابٌ مِنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فيما أَخَذتُم عَذابٌ عَظيمٌ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق