البحتريّ
هو الشاعر العباسيّ الوليد بن يحيى التنوخيّ الطائيّ، ويكنّى بأبي عبادة، ويُعرف في الشعر باسم البحتريّ، وهو واحدٌ من بين ثلاثة أشعر أبناء العصر العباسيّ وهم: المتنبي والبحتريّ وأبو تمام، وأُطلق وصف (سلاسل الذهب) على شعره؛ لعذوبته وروعته.
عاش البحتريّ في مسقط رأسه حلب في سوريا، وبرزت نبوغته في الشعر منذ حداثة سنّه، وتوجّه بعدها إلى مدينة حمص ليلتقي بأبي تمّام ويعرض عليه شعره، وأصبح فيما بعد شاعراً في بلاط عدد من الخلفاء العباسيين وهم: المتوكل، والمنتصر، والمعسني، والمعتزّ بن المتوكل.
ترك البحتريّ إرثاً شعرياً ضخماً بعد وفاته، فألّف ديواناً شعرياً ضخماً تكثر فيه قصائدُ المديح، وتقلّ أخرى بالرثاء والهجاء، ومن أشهر القصائد التي ذاع صيتها هي تلك القصيدة التي وصف فيها إيوان كسرى والربيع.
أخذ البحتريّ عن أبناء قومه الطائيين فصاحةَ اللسان، وتتلمذَ على يد الشاعر أبي تمام وانتهج أسلوبه في المديح، وتعلّم في مدينة حلب علمَ البلاغة والشعر، وهام في حبّ المغنية الحلبية "علوة" في مسقط رأسه، وبدأت رحلة البحتريّ في التنقل والترحال بين البلاد السوريّة، وعاش في بغداد فترةً من الزمن، وكان قد كتب عدداً من القصائد التي وصفت حنينه إلى الموطن والحبيبة معاً.
يُذكر أنّ البحتريّ قد عاد إلى بلاده قبل وفاته بأيام قليلة، وتوفي في مسقط رأسه مدينة منبج، كان ذلك في عام 897م، ودفن في مدينة الباب.
شعر البحتريّ
ظهرت النزعة البدويّة التي كان يتسم بها البحتريّ في أشعاره؛ حيث إنّ الصبغة الخارجية لم تترك أثراً على قصائده الشعريّة، واتسم شعره بكثرة استخدام المعاني القديمة لفظياً، والحرص على استخدام ما استجدّ منها من حيث المعاني والدلالات، وتنوّعت قصائد البحتريّ ما بين غزل ورثاء، وحكم، فالبحتريّ يستخدم أسلوباً فخماً جليلاً في كتابة قصائد الرثاء، حيث تنساب العاطفة الفنيّة والحقيقة معاً في أبياته.
خصائص شعر البحتريّ
1/ تطغى العاطفة على أبياته الشعرية خاصّةً في قصائد الرثاء والغزل.
2/ كثرة الصور الفنيّة المستوحاة من خياله والتي تجيّش المشاعر والأحاسيس في النفس.
3/ تنوّع الجوانب التي يصوّر بها قصائده فمنها ما هي دينيّة، وأدبيّة، وسياسيّة. يوصف بأنه كسلاسل الذهب نظراً لحلاوة نغمة وجمال مطلعه.
يُكثر البحتريّ في قصائده من الإيجاز والتلميح.
4/استبعد من قصائده الشرح الطويل والتكلّف. يعتمد في وصفه بالقصائد على المبالغة.
5/ يتسم شعر البحتريّ باستفتاحه لها بوصف الأخيلة وذكر الطيف كثيراً. جزالة الألفاظ وفصاحتها ووضوح معانيها. حسن اختيار الألفاظ وخلوّها من التعقيد. أهم قصائد البحترى
قصيدة الوفاء
الوصف عند البحتري يُصنّف البحتري على أنّه من أطبع الشعراء، وقد كان ذا خيال واسع وذوق سليم، ويقوم فنّ البحتري على الزخرفات البديعيّة الصافية والعذبة التي لا تكلّف فيها، إضافة إلى الموسيقى التي تغمر أبياته الشعريّة، وتأتي من خبرة وذوق في اختيار الألفاظ والعبارات التي لا يشوبها التعقيد والغرابة، بحيثُ تكون متوافقة مع الموقف والمعنى. للبحتري عدة مؤلفات ودواويين شعريّة من أشهرها كتاب الحماسة الذي ألف ونظم فيه بمختلف الموضوعات لكن من أكثرها الوصف، وخاصة وصف الطبيعة والعمران، حيثُ كان وصفه خصيباً وعفويّاً، واستمده من الترابط الفكريّ والتصويريّ بين البدواة والحضارة، فمثلاً استمد من البداوة ماديّتها المسيطرة وتجسيدها العريق؛ فوصف الأزهار، والغيث، والفرس، والأسد، والذئب، ووصف الربيع على أنّه مهرجان للوجود أضفى على مشاهده الروح ليُبرز فيها يقظة الطبيعة. أمثلة على الوصف عند البحتري وصف البحتري العمران ومنها بركة المتوكل وإيوان كسرى، فنقلها وتأملها بعفويته وبراعته، فكانت أبياته وصفاً فنيّاً بديعيّاً جميلاً، تظهر فيه سحر وجمال الخيال، حيثُ أفاد من أسلوب أبي تمام في الإثراء من البديعيات، إلاّ أنه أجاد وبرع في سبك اللفظ على المعنى، واستمد المعاني من جمال ووحي الخيال لا من قضايا المنطق والعلم كما فعل أبو تمام. وأصبحت للبحتري طريقة خاصة في الجزالة والعذوبة امتاز بها على أستاذه، واستفاد منها ونهجها مَنْ عاصره، وجاء بعده من الشعراء. وصف أيضاً العمران فأولع في وصفه، ووصف القصور، حيثُ بدى وصفه شدة في البراعة في تخيُّر التفاصيل الصغيرة، وكانت لديه دقة لا متناهية في رسمها رسماً حسيّاً، وانفعالاً نفسيّاً وعاطفيّاً من الشاعر. وصف البحتري الطبيعة في لوحات فنيّة عديدة ومختلفة جمع فيها ألواناً متناسقة وجميلة، إلا أنّ أوصافه فيها قليلة الحظ من الإبداع والابتكار، فكانت تقليديّة، غير أنّ البحتريّ تمّكن من ترقيتها إلى درجة عالية من الشخصيّة والأصالة، ومن قصائده في الربيع: أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا وَقَد نَبّهَ النّوْرُوزُ في غَلَسِ الدّجَى أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا يُفَتّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فكَأنّهُ يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما أحَلَّ، فأبْدَى لِلْعُيونِ بَشَاشَةً، وَكَانَ قَذًى لِلْعَينِ، إذْ كانَ مُحْرِما وَرَقّ نَسيمُ الرّيحِ، حتّى حَسِبْتُهُ يَجىءُ بأنْفَاسِ الأحِبّةِ، نُعَّمَا |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق