الغزل فى العصر العباسى - الموسوعة العربية للمعرفة

مقالات تشمل كافة مجالات الحياة لنشر الوعي و المعرفة

اخر الأخبار

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

الغزل فى العصر العباسى

                              الغزل فى العصر العباسى


الشعر العربيّ إنّ الشّعر هو فنّ العرب الأوّل منذ الجاهليّة وإلى هذا اليوم، حيث كانت القبيلة من العرب إذا نَبَغَ فيها شاعر أتت القبائل، فهنّأتها، وصنعت الأطعمة، وأعدّت الأشربة، واجتمعت النّساء يَلعبن بالمَزاهر، كما يصنعون في الأفراح والأعراس، ويستبشر أفراد القبيلة لأنّه شعره بمثابة حماية لأعراضهم، ودَفْع عن أحسابهم، وتمجيد لمآثرهم وتخليد لها، وإشادة برموزهم ومواقعهم، وقد بقي الشعر يوثّق تاريخ الأمّة وحضارتها على مرّ العصور المختلفة، فكلّ أمّة من الأمم تعتمد على تخليد مآثرها وتحصين مناقبها على شكل معيّن، وكانت العرب تعتمد في تسجيل مآثرها وأمجادها على الشّعر الذي يعدّ ديوانها، وعندما جاء الإسلام نظر إلى الشّعر نظرة جديدة، كما نظر إلى الحياة من جميع جوانبها نظرة جديدة، فالعرب بُهِروا بالقرآن الكريم، لإعجازه البيانيّ، وكذلك الحديث النّبويّ، واستمرّ الشّعر العربي ملتزمًا بالوزن والقافية، مع تأثّره بتعاليم الدّين الحنيف الجديد، وتنوّع مواضيعه بسبب الفتوحات الإسلاميّة واتّساع رقعة الدوّلة الإسلاميّة. 

الغزل الصّريح في العصر العبّاسيّ ازدهر العلم والأدب في العصر العبّاسيّ ازدهارًا كبيرًا، بسبب إكرام العلماء والشّعراء من قِبَل الخلفاء والولاة والوزراء، وكان للأدب ظهوره المميّز، فقد ازدهر شعرًا ونثرًا، وانتشر في ذلك العصر انتشارًا واسعًا، وطَغى غرض الغزل من بين أغراض الشّعر بشكلٍ مفرط، فتغنّى به كثير من الشّعراء، يُقال: غازل الكلب الظّبي، إذا عدا في أثره، فلحقه، وظفر به، ثمّ عدل عنه، ومنه مغازلة النّساء، فالغزل غرض شعريّ قديم، ويعدّ من أهمّ أغراض الشّعر، وقد فرّق القدماء بينه وبين النّسيب، بينما في العصر العبّاسيّ، كان للغزل أنواع: الغزل العفيف، والغزل الصّوفيّ والغزل الصّريح، وقد شاع الغزل الصّريح في العصر العبّاسيّ؛ بسبب اختلاط العرب بالأمم الأخرى، وشيوع صور التّحلّل الخلقيّ عند البعض منهم، والغزل الصّريح في العصر العبّاسيّ على أربعة أنواع كما يأتي: الغزل بالمؤنث: وقد توسّع الشّعراء في مجال اللّهو والفجور، منجرّين وراء الإباحيّة الزّائدة والمجون العابث، بعد انتشار مجالس اللّهو والشّراب التي غصّت بالقيان والمغنّيات اللّائي خلعن ثياب العفّة، وغلب عليهنّ الفجور، وغرق الكثير من الشّعراء في اللّذائذ ومعاقرة كؤوس الشّهوات، حتّى اتّهم البعض منهم في عقيدته، ومثال ذلك بشّار بن برد في وصفه لفاتنة وصفًا يعجز عنه المبصرون، إذ يقول:  يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُفَّاحاً مُفَلَّجَة أوْ كُنْتُ من قُضُبِ الرَّيحان رَيْحَانا حتّى إِذا وَجَدَتْ ريحي فأعْجَبَها ونحنُ في خَلْوةٍ مُثِّلْتُ إِنسانا فحرَّكتْ عُودَها ثمّ انثنَتْ طَرَبًا تَشدو به ثمّ لا تُخفيه كِتمانا الغزل بالمذكّر: وقد بلغ الغزل الصّريح في العصر العبّاسيّ من شدّة موجة المجون حدًّا أن ينتشر التّغزّل بالغلمان بشكل علنيّ وصريح، وقد كان أبو نُوَاس من أوائل شعراء الغزل الصّريح في العصر العبّاسيّ، وأوّل من طرق باب التّغزّل بالغلمان؛ لأسباب نفسيّة على الأكثر، فقد اعتمده في مطالع قصائده، عوضًا عن الوقوف على الأطلال، ومخاطبة النّساء، وتابعه الكثير من الشّعراء .

قال أبو نواس متغزّلًا بغلام: يا بدعةً في مثالٍ لا مُدرَكًا بالصّفاتِ فالوجهُ بدرُ تمامٍ بعينِ ظبيٍ فلاةِ والقدُّ قدُّ غلامٍ والعجُّ عجُّ فتاةِ الغزل بالغلاميّات: وهنّ الجواري المتشبّهات بالغلمان، لِعزوف الشعراء عنهنّ، فرحنّ يتشبهنَ بالغلمان من خلال اللباس والحركات والهيآت، فاستجاب الشّعراء لهنَّ، وراحوا يتغزّلون بهنَّ، فهذا الحسين بن الضّحاك يتغزّل بغلاميّته بقوله: مؤزرةُ السّربالِ مَهضومةُ الحشا غلاميّةُ التّقطيعِ شاطرةُ القدِّ أجِيزي على مَن تركتِ فؤادَهُ بلحظتهِ بينَ التّأسفِ والجهدِ الغزل الدّيري: وهو نوع من الغزل الصّريح، ارتبط بالمكان الذي قيل فيه، وهو الدّير ويعني الدّير مكان من أماكن عبادة النّصارى، يذكر فيه الشاعر أعياد النّصارى وعقائدهم وبعض الألفاظ المرتبطة بهم، وفي أغلبه جاء بالتّغزّل بالغلمان من النّصارى، أمّا الاتّجاه الفاحش وما يحتويه من تهتّك، فقليلٌ بسبب ضياع الشّعر من جهة، ومن جهةٍ ثانية لامتناع الرّواة من روايته، ومن شعرائه بكر بن خارجة الذي تغزّل بغلامٍ نصرانيّ، وفقد عقله بسبب تعلّقه الشديد به ، ومن ذلك قوله:  بالقربانِ والصّلبانِ إلّا رثيتَ لقلبي الدّنفِ المشوقِ أجرني مُتّ قبلَك من همومٍ وأرشدني إلى وجه الطّريق سمات الغزل الصّريح الغزل الصّريح على العكس تمامًا من الغزل العفيف أو العذريّ، هو التّعبير عن محاسن المحبوبة، ويكثر من أوصاف الجسد كوصف الطّول والقامة والوجه والعنق والعيون والشّعر والخدود وغير ذلك.
 وقد يصف الشّاعر ملابس المحبوبة والجواهر التي تتزيّن بها والمكان الذي كانت تعيش فيه، وهو نقل للمغامرات وما وقع بينهما من غراميّات، ويكون التّعبير الشّعريّ فيه تعبيرًا مباشرًا، والجديرُ بذكره أنّ شعراء الغزل الحسّي والإباحيّ، لديهم من الأشعار الغزليّة العفيفة التي تحمل عاطفة وشاعريّة صادقة بقَدْر ما لديهم من الإباحيّة والتبذّل ، ومن أهمّ سمات الغزل الصريح ما يأتي: الغزل الصّريح أكثر حدّة وعنفًا من الغزل العفيف؛ بسبب كثرة دور النّخاسة، وامتلائها بالقيان الأجنبيّات من جنسيّات متعدّدة ومتنوّعة. 
خلع ثوب الحشمة عن القصيدة، فتحوّل الغزل عندهم إلى وصف محاسن المرأة وصفًا حسيًّا. المبالغة في وصف الجسد، خاليًا من العاطفة، إلّا ما فرضه الشّكل العام للقصيدة. رغم ذلك لم يبلغ الشّعر الحسّيّ مبلغًا يجعله محظورًا تمامًا، إذ استطاع الشعراء المحافظة على المجاز والرّمز.

هناك تعليق واحد: